“شراكة الانتقالي مع الشرعية.. مكاسب ضائعة وغضب شعبي متصاعد
الدستور الاخبارية|شارد مثنى مصلح
الغضب على الحكومة يطال المجلس الانتقالي
وضعت الشراكة مع الشرعية اليمنيةو المجلس الانتقالي الجنوبي في وضع صعب، فلا هو استفاد من الشراكة في تحسين الأوضاع المعيشية للجنوبيين، ولا هو قادر على الانسحاب من الحكومة تجنبا لتوتير العلاقة مع السعودية راعية “اتفاق الرياض” الذي أسس لهذه الشراكة.
وصدرت تصريحات من قيادات جنوبية بارزة ومن نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي موالين للمجلس الانتقالي تحث على فك الارتباط مع الشرعية لأن خسائره أكبر من مكاسبه، ولعل أبرزها أن الشراكة نجحت في تعويم الاستقلال وربطه بحل شامل للملف اليمني، وهذا أمر قد لا يتحقق في ظل تناقض الأجندات واستحالة التوصل إلى تسوية مع الحوثيين
ومن هذه الخسائر أن سكان المناطق الجنوبية، وعلى رأسهم سكان عدن التي تتركز فيها مؤسسات الانتقالي ومؤسسات الحكومة، باتوا يجاهرون بانتقاد المجلس وتحميله مسؤولية الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعانون منه.
ولم يعد سكان عدن يكتفون بتحميل الحكومة اليمنية مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع واعتبار الوعود التي قطعتها، وخاصة ما تعلق منها بإيجاد حلول لمختلف الأزمات المعيشية، مجرد وعود جوفاء، وإنما امتدت انتقاداتهم إلى المجلس ورئيسه اللواء عيدروس الزبيدي بسبب قبوله بالشراكة في حكومة لا توفر الدعم الكافي لسكان الجنوب، وربما هي تكيف ضخ الأموال حسب أجندة تقوم على إظهار المجلس في موقع العاجز الذي لا يقدم إلى الجنوبيين إلّا الوعود.
وقبل أسبوعين شهدت مناطق عدة في مدينة عدن احتجاجات شعبية غاضبة جرى خلالها إشعال النيران في إطارات سيارات وإغلاق شوارع تنديدا بتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والخدمات، خصوصا في قطاع الكهرباء، وانهيار العملة المحلية إلى أدنى مستوياتها.
وتقول مؤسسة كهرباء عدن إن “قطاع الكهرباء يواجه تحديات وصعوبات كبيرة ومتراكمة منذ سنوات وزاد معدل أحمال الطاقة الكهربائية في عدن مع التوسع العمراني والكثافة السكانية الكبيرة حيث أن إجمالي الطاقة التي تحتاجها عدن يصل إلى 650 ميغاوات بينما تنتج المحطات أقل من 150 ميغاوات يوميا، أي ما يقارب 30 في المئة فقط من الاحتياج”.
وتقول الحكومة إنها تنفق ما يعادل 1.2 مليار دولار سنويا، بواقع 100 مليون دولار شهريا، من أجل توفير الوقود واستئجار محطات توليد الكهرباء لكن الإيرادات لا تصل إلى 50 مليون دولار سنويا.
ويخشى مراقبون أن يشعل تردي الأوضاع الخدمية وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة في صيف قائظ شرارة موجة غضب عارم وخروج الناس للتظاهر دون تمييز في المسؤولية بين المجلس الانتقالي والحكومة.
وفتحت الشراكة مع الحكومة والسكوت على غياب التمويلات التي وعدت بها الطريق أمام انتقاد المجلس الانتقالي على تفضيل مصالح قياداته على مصالح الجنوبيين، وقد اعتبر المنتقدون أن الحكومة قامت بتوظيف قيادات عسكرية وسياسية جنوبية وقدمت إليها رواتب مجزية، ما جعلها تسكت وترضى بالأمر الواقع. وفكرة دمج القيادات في مؤسسات الشرعية تثير مخاوف الجنوبيين لأنها تمهد لتخليهم عن مطلب الاستقلال.
وأكد اللواء أحمد سعيد بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي، قبل أيام، أن الشراكة مع الشرعية كانت أحد الأخطاء الكبرى التي ارتكبها الانتقالي ودفعته إلى أن يتحمل جزءا كبيرا من فاتورة الفساد والانتقاد والزج به في وحل نقص الخدمات وتدهور الاقتصاد، داعيا المجلس إلى “اتخاذ خطوات جادة تعيد له الزخم الشعبي”.
وقال بن بريك في مقابلة مع وكالة “سبوتنيك” الروسية “أكبر الأخطاء التي ارتكبناها هي الاسترسال في المشاركة والحصول على أربع حقائب (وزارية) ليس لها دور في الحكومة، وبالتالي غرقنا في الفساد الذي غرقت فيه الشرعية في السابق”.
ويشعر بعض القادة الجنوبيين بأن ما يجري جزء من ترتيبات لإضعاف المجلس الانتقالي ومن ورائه فكرة الاستقلال ودفع الجنوبيين إلى جعلها مطلبا ثانويا، وأن ملف الخدمات ورقة من أوراق الضغط و”ابتزاز سياسي”.
ووجّه منصور صالح، القيادي في المجلس الانتقالي، نقده لـ”محاولات بعض الأطراف التنصل من التزاماتها وتكريس جهودها لإعادة التموضع جنوبا، ولتحقيق مكاسب سياسية على حساب قضية الشعب الجنوبي”.
ويرى المراقبون أن المجلس كان يسعى إلى أن يوفر من خلال الشراكة استقرارا اجتماعيا في مناطق سيطرته بأن تتولى الحكومة المدعومة من السعودية توفير الرواتب لقيادات وأعضاء المجلس وللموظفين الحكوميين وكذلك تأمين الخدمات الاجتماعية الضرورية، لكن ذلك لم يتحقق، وهو ما يفسر زيادة الدعوات بين الجنوبيين إلى الانسحاب من اتفاق الرياض.
لكن المشكلة التي يجدها المجلس الانتقالي في الانسحاب من الاتفاق لا تقف عند الحكومة برئاسة أحمد عوض بن مبارك أو مجلس القيادة الرئاسي برئاسة رشاد العليمي؛ فأمرهما سهل ويمكن أن يعلن الانتقالي في بيان سريع عن إنهاء دوره فيهما، وإنما المشكلة مع السعودية التي تريد توليفة سياسية جماعية لإخراج اليمن من أزمته ووقف الحرب، وهو مسار يجعل ضمنيا مسألة الاستقلال أمرا مؤجلا.
ولا يريد المجلس أن يتحرك منفردا في ملفات لديها امتدادات إقليمية خاصة مع التوتر الذي يجري حاليا في البحر الأحمر، وإنما يريد أن يصب تحركه، أيّا كانت الشراكة يمنيّا أو إقليميا، في صالح قضية الجنوب الأساسية، أي الاستقلال.
كتب الناشط السياسي شارد مثنى مصلح