اتفاق غزة، . . من الرابح ومن الخاسر؟
الدستور الاخبارية|خاص
من الصعب على من يحاول الغوص في الاتفاق الأخير الموقع بين إسرائيل وحماس، وبإشراف ورعاية ثلاثيين لممثلين عن كل من الولايات المتحدة ومصر وقطر، من الصعب عليه وضع خلاصات مطلقة وحقائق يقينية نهائية، طالما ظلت المواقف الإسرائيلية هي المحدد الأول لمدى التقيد بما تنص عليه الاتفاقيات الموقع بينها وبين الأطراف العربية، فلقد برهنت التجارب الممتدة لأكثر من ثلاثة ارباع القرن، ان إسرائيل لا توقع اتفاقاً إلا وتنقضه حينما تحين لها الفرصة لنقضه، ولن نتحدث عن القرارات الدولية التي لا تعترف بها إسرائيل ناهيك عن أن تتقيد بها، لكنه يمكننا تذكر عشرات المواثيق والمعاهدات والاتفاقات التي ضربت بها الحكومات الإسرائيلية عرض الحائد حينما لم تجد فيها ما يخدم هدفها الاستراتيجي؛ “إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل”.
اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يشمل ثلاث مراحل، وما أعلن عنه حتى اللحظة هو المرحلة الأولى التي تتضمن عناوينَ خمسةً هي:
1. وقف إطلاق النار.
٢. عودة النازحين.
3. إدخال الإعانأت والمواد الإغاثية.
٤. انسحاب القوات الإسرائيلة.
٥. وأخيراً تبادل الأسرى والمختطفين بين الطرفين.
ويشمل كل عنوان من العناوين الخمسة تفاصيلَ عديدةً تتصل بالمدة الزمنية والنطاقات الجغرافية وغيرها.
لكن المشكلة تكمن في وجود احتمالات لخرق الاتفاق في أي لحظة ولن يكون الخرق إلا من الجانب الإسرائيلي، الذي اعتاد أن يفعل ما شاء ومتى شاء دون أن يردعه رادعٌ أو يمنعه مانعٌ بعد أن حظي بمساعدة ودعم أعتى القوى الدولية عدوانيةً ونفاقاً وعنصريةً من امريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا إلى بقية الاتباع الذين حتى وإن كانوا غير راضين عن السلوك الإسرائيلي المشين، فلن يجرؤوا على إدانة هذا السلوك في ظل فوبيا “العداء للسامية” الفزاعة التي ترفع إسرائيل هراوتها كلما أرادت ابتزاز طرفٍ من الاطراف الدولية.
وكما قلت، فإنني إذ أحاول التريث في تحديد نقاط القوة والضعف، أو بالأصح الفوائد والخسائر لكل طرفٍ، بيد إنه يمكن التوقف عند النقطة المحورية الممثلة بالسؤال التالي:
لقد ظلَّ الطرف الأسرائيلي يرفض وقف اطلاق النار ويصر على أن الحرب هي الوسيلة الوحيدة لحل النزاع وظل يتمسك بالنقاط الاساسية التي أعلنها منذ اليوم التالي لطوفان الأقصى، وهي استعادة الأسرى بالحرب، القضاء على حركة حماس، وبقاء القوات الإسرائيلية في قطاع غزة، والسؤال هو: هل نَفَّذَ ناتانياهو ما طرحه من شعارات وتوعد به من وعيد، وهي استعادة الأسرى جميعا، وتدمير حركة حماس، . . و . . ، هل حقق نتانياهو ما أراد.
إن الشيء الوحيد الذي نجح فيه نتانياهو هوقتل أكثر من ٤٥ ألف من المدنيين معظمهم من الأطفال والنساء والعجزة وتدمير كل معالم وشروط الحياة الآدمية من مساكن و مدارس وكنائس ومساجد ومصادر مياه ومرافق عمل وإنتاج وشواطئ اصطياد وطرقات ومعابر . . .إلخ، وهو ما كشف الصورة الحقيقية للدولة الصهيونية ومشروعها العنصري، لكنه قتل من بين من قتل ما يقارب المائة من الأسرى الذين شن الحرب لاستعادتهم فلم يستعد إلَّا جثامينهم. وبالاتفاق وليس بالحرب.
لاشك أن الثمن الذي دفعه سكان غزة ليس هيناً سواءٌ من حيث الكلفة المادية والإنشائية أو من حيث الضحايا البشرية، ولا شك أن حركة حماس قد فقدت أهم كوادرها وعدداً من مقاتليها، لكن الحركة بقيت حية وستبقى حتى لو فكر نتانياهو باستئناف الحرب ضدها من جديد.
ولا شك أن حركة حماس بحاجة إلى وقفة نقدية لتقييم أين أصابت وأين أخطأت، خصوصاً فيما يتعلق بتوقيت إطلاق، ما اسمتها، بـ”طوفان الأقصى”، لكن هل انتصرت الدولة الصهيونية؟ وهل خرج ناتانيتهو من الحرب آمناً.؟
المعطيات البارزة على واجهة الأحداث تؤكد أن ناتانياهو وحكومته أمام استحقاقاتٍ صعبةٍ وقاصمةٍ للظهر، وليس المقصود هنا قرارات محكمة الجنايات الدولية التي تضع ناتانياهو وعدد من أركان حكوميه في قائمة المطلوبين للعدالة الدولية، بل إن الأمر هنا يتعلق بعملية “طوفان الأقصى” ورد الفعل الإسرائيلي إزاها وأول الأسئلة سيطرحها المواطن الإسرائيلي هو: كيف تمكنت حماس أن تنفذ ما نفذت في غفلة من جميع الأجهزة الاستخباراتية والتجسسية الإسرائيلية وقدراتها (الخارقة)؟ وأين كان الجيش الإسرائيلي عندما كان جنوده ومواطنوه يتعرضون للقتل والاختطاف ولم يصدر أي رد فعل، وأين القبة الحديدية عندما اخترقتها بعض الطائرات المسيرة والصواريخ المصنعة يدوياً وبطرق بدائية؟. ثم لماذا رفض ناتانياهو وحكومته استعادة المختطفين عن طريق الحوار، ثم قبل بالحوار بعد أن قتلت قواته منهم العشرات؟ ناهيك عن آلاف القتلى من الضباط الجنود الإسرائيليين الذين قضوا تحت ضربات قوات المقاومة الفلسطينية ممن يتحفظ ناتانياهو وحكومته على ذكر عددهم؟
يرى الكثير من المحللين السياسيين والعسكريين أن الأزمة العاصفة ستشهدها إسرائيل لمجرد وقف إطلاق النار وعودة الأسرى، ولن ينجو ناتانياهو من المحاسبة وربما الاعتقال على يد القضاء الإسرائيلي وبدعاوي قضائية قد يرفعها أهالي القتلى من الأسرى، وبعض الرافضين لمبدأ الحرب ومن أهالي القتلى العسكريين الذين يرفض ناتانياهو ذكر أعدادهم كما قلنا، وهذا ما سيحدث حتمياً إلا إذا أعاد ناتانياهو استئناف الحرب من جديد هروباً من تلك الاستحقاقات، وهو ما لا قدرة لدى المواطن الإسرائيلي ولا الجيش الإسرائيلي على العودة إلى أجوائه بعد الإنهاك الكبير الذي تعرضا له على مدى ما يقارب الستت عشر شهراً.
وللحدث بقية