اللواء الركن علي ناجي عبيد يكتب .. أبدية إسرائيل هو الهدف الإسرائيلي من وراء العدوان على غزة ولبنان
مقال الرأي/الدستور الاخبارية
بشكل واضح صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرف نتنياهو بأن ما يجري من عدوان على غزة ولبنان هدفه أبدية إسرائيل.
من المعلوم أنه منذ تأسيس الكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينية إنطلاقا من أساطير أرض الميعاد التي تحولت الى حقائق على الأرض من خلال إتباع طريقة العنف والمجازر التي دشنتها عصابات الهاجاناة مثل مجزرة دير ياسين وغيرها التي أدت الى تهجير ما يزيد على 750 ألف فلسطيني
ساعد سياسة العنف الصهيوني على التحقق التخاذل العربي الإسلامي بداية من النكبة العربية 1948م الناجمة عن هزيمة الجيوش العربية أمام عصابات الهاجا الصهيونية
وهكذا كل عنف صهيوني يصاحبه تخاذل عربي إسلامي وتطرف فلسطيني حتى اليوم .
إزالة الأخطار تجاه أبدية إسرائيل:
.. شكلت دول الطوق العربي مصر، سوريا والأردن أهم تلك الأخطار فجاءت حرب الأيام الستة../النكسة/.. لتدمر بها إسرائيل ثلاثة جيوش عربية وتحتل القدس والضفة الغربية وغزة وسيناء والجولان ومع ذلك لم يُزال الخطر لتوفر إرادة الرفض والمقاومة في ظل زعامة عبدالناصر.
إشتدت الأخطار على الوجود الإسرائيلي بنشوء مقاومة فلسطينية قومية بداية فيسارية.
مع إعداد عربي مصري سوري لحرب فاصلة تمثلت بحرب 1973م حرب العبور العظيمة،الا أن إستثمار نتائجها سياسيا أدت لاحقا إلى إزالة أهم تلك الأخطار بخروج مصر عبر معاهدة السلام..
( كمب ديفيد) التي عمقت الشروخ في الصف العربي، تلتها معاهدة وادي عربة مع الأردن التي زادت الشروخ عمقا بما فيها مع المطبع الأول جمهورية مصر العربية اذ شهد إعلان المعاهدة تنابزا كلاميا بين ملك الأردن ووزير خارجية مصر عمر موسى عنوانه الـ(هرولة للإستسلام )
تلاه توتر في العلاقات ولتصبح تلك الشقوق أشد غورا في الصف العربي المنقسم في التطرف يسارا ويمينا إستسلاما ورفضا.
وهكذا ازيل أهم مهددات أبدية إسرائيل بأيد عربية.
من أهم ظواهره نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة الى تونس ونشوء جبهة الصمود والتصدي العربية وإشتداد المقاومة الفلسطينية القومية اليسارية التي بدورها لم تفرق بين العدو الصهيوني ومعسكر اليمين العربي الذي سمي بالدول الرجعية في ظل إنقسام العالم الى معسكرين معسكر إشتراكي تقدمي ومعسكر رأسمالي إستعماري”.إتسم بالحرب الباردة بين المعسكرين.
.. شكلت المقاومة الفلسطينية اليسارية المدعومة من المعسكر الإشتراكي ودول عربية(تقدمية) خطرا محدقا على الوجود الإسرائيلي.
في سبيل إزالة خطرها وُجهت لها ضربات قاسية أولها حرب أيلول الأسود في الأردن في العام 1970م الذي كان سببه التطرف اليميني من قبل النظام الأردني والتطرف اليساري من المقاومة الفلسطينية والذي ضاعف اشتعال نيران التطرف في الجانبين وثانيتها وهي الأقسى في لبنان من قبل الكيان الصهيوني المؤدي إلى تشتتها أي المقاومة الفلسطينية من موقع تواجدها الرئيس وإنطلاقها المؤثر جنوب لبنان وكل لبنان في العام 1982م.
أهم أسبابه التطرف اليساري من المقاومة الفلسطينية التي لم تفرق بين عدوها الرئيس الكيان الصهيوني ومعظم الدول العربية المسماه بالرجعية ومعها من الدول ذات الإتجاه القومي مصر وسوريا إذ من المعروف أن المقاومة الفلسطينية دخلت في صدام مسلح عنيف مع الجيش السوري في لبنان وهي التي أطلقت شعار” تحرير القدس يأتي عبر تحرير العواصم العربية الرجعية بما فيها قاهرة السادات ودمشق الأسد ” وكذا التطرف العربي ” الرجعي ”
الذي لم يفرق بين خطر الشعارات اليسارية والخطر الصهيوني المحدق والذي يزداد خطورة حتى اليوم وسيتضاعف مستقبلا على الوجود العربي والإسلامي دون أدنى شك.
تخدم الظروف العالمية الكيان الصهيوني بما لا يخطر على بال أحد بالإنهيار المفاجئ للمعسكر الإشتراكي وعلى رأسهِ رأسهُ المحرك الإتحاد السوفييتي لتتسيد الهيمنة على العالم الولايات المتحدة الأمريكية الرأس الرئيس للمعسكر الرأسمالي الغربي ليتراجع اليسار الإشتراكي واليسار القومي لتحصد إسرائيل أول بواكيره دون إنتظار لنهاية الإنهيار بالبدء بأول عملية إزالة لواحد من أهم الأخطار المهددة لهيمنتها وهو دولة عراق صدام من خلال تهيئة الظروف المناسبة لتلك البداية بتصعيد التوتر بين العراق والكويت ثم الإيحاء للغرور العراقي بأن بإمكانه حل المشكلة على يده التي تمثلت بكارثة إحتلاله للكويت التي أدت الى قيام تحالف دولي مكون من 31 دولة معظمها عربية ما عدى منظمة التحرير الفلسطينية وصاحب مجزرة أيلول الأسود وتتالت المخططات الصهيونية لإزالته من الوجود كخطر قوي حتى تم لها ذلك في العام 2003 وما بعده. نرى هنا أن التطرف العربي يمينا ويسارا هو العامل الأول لإزالة مثل هذا الخطر على أبدية إسرائيل.
..أيضا نفس الظروف التي خدمت الكيان الصهيوني بزوال المعسكر الإشتراكي وإزالة خطر القوة العراقية تراجع خطر المقاومة الفلسطينية ليلحق بركب السلام الذي أطلقت عليه نفسها سابقا بالإستسلام وهو كذلك لتذهب إلى حوار مدريد المتوج بإتفاقية أوسلو ولقاء كمب ديفيد الثلاثي كلينتون،عرفات شارون….
تلك الإتفاقية الأشد غموضا وتعقيدا من كل الإتفاقيات المعقودة بين طرفين دوليين وهي التي وصفها أحد الخبراء بالإتفاقية التي بحاجة كل بند من بنودها إلى إتفاقية جديدة خاصة به.وهي ما أوصل الحال إلى تطرف آخر ومن طراز قديم جديد تطرف على أساس ديني ومذهبي لم يترك للقضية الفلسطينية غير صديقا صادقا غير دولة قطر التي تحولت الى ” وسيط نزيه ” ممثلا للمذهب السني ولم يكن أقل منها تطرفا رأس المقاومة الشيعي حزب الله بتوجيه حرابه ضد اتنظمة العربية والإسلامية غير الصديقة لإيران وهي كلما ينظم ويؤلف مسمى الدول العربية والإسلامية عدى إيران نفسها مع إنقسام داخل مجتمعها.
التقى المتطرفان( الإخوان المسلمون ) المتمثلة بحماس وهي الحركة التي لم تترك لها صديقا كما أشرنا آنفا مع التطرف الشيعي المتمثل بحزب الله اللبناني ومعه مليشيات وحركات شيعية أشرنا إليها مدعومة من إيران هي بالمقابل قليلا القول في حقها أنها لم تترك لها صديقا من المحيط العربي والإسلامي بل بكل جدارة صنعت لها الأعداء على الساحة العالمية بشكل أوسع من واسع وأنجع من ناجح.
قابل ذلك النجاح المنقطع النظير في خلق الخصوم والأعداء تطرف في الخصومة والعداوة من قبل معظم من لم نقل كل الأنظمة العربية والإسلامية
من الممكن إختصار التطرف في العداوة بين أطراف المقاومة الفلسطينية(حماس) واللبنانية(حزب الله ) ومحيطها العربي والإسلامي بأنها تجاوزت تلك العداوة بين المقاومة الفلسطينية اليسارية ومحيطها العربي والإسلامي ” الرجعي ” كون أفكارها مستمدة من تراث عربي إسلامي وإن كان متطرفا فهو أشد خطورة من أفكار الحركات اليسارية الفلسطينية والعربية التي أُعتبرت غريبة على واقعها. هذا ما استدعى عداوة أشد ومواقف أكثر تراخيا أمام ما يجري من حرب إبادة في غزة ولبنان بل مع الأسف الشديد أثار شماتة مقيتة لدى بعض أطراف وكثير من الأوساط العربية والإسلامية.
لهذه الأسباب وغيرها تستطيع إسرائيل إزالة آخر المهددات ليس لوجودها بل لأمنها فحسب، فحماس وحزب الله لا يمتلكان قدرات تهديد الأبدية الصهيونية منفردان في ظل زوال المهددات العربية والإسلامية نكاية بهما المعبر عن تطرف قاتل من مختلف الأطراف سيؤدي إلى ندم ما بعده ندم حين تتواصل خطوات المسير الصهيوني نحو تحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات.
لا يمكن أن نسمي إستغلال التطرف اليهودي لذلك التطرف المتمثل بالعداوة أو الفجور بالخصومة على أقل تقدير ولا اقول سوء الفهم وعدم التفاهم بين الأنظمة العربية والإسلامية من جهة وقوى المقاومة الفلسطينية في مختلف المراحل بمختلف الإتجاهات بالحنكة أبداً فما ذلك الا عبارة عن إلتقاط الثمار الناضجة المتساقطة على طريقها.
لهذه الأسباب وغيرهاإستطاعت وتستطيع إسرائيل إزالة آخرالمهددات لأمنها من خلال حرب الإبادة في غزة ولبنان لكن مؤقتا،فهي بجرائمها البشعة تلك تخلق أعداءها المستقبليين الذين يمتلكون ناصية العلوم التقنية الحديثة بجدارة وفنون القتال بكفاءة.
وعقول مستفيدة من تجارب التاريخ بكل مراحله وعلى رأسها خلق الصداقات وصناعة التحالفات بما يجلب المصالح للشعوب ويدرأ المفاسد بأنسب الأساليب وأقل التكاليف.
هذا ما يعنيه إن جرائم التطرف اليهودي الصهيوني لا يصنع أبدية إسرائيل بل يخلق عوامل زوالها.
الخبير العسكري والإستراتيجي
اللواء الركن علي ناجي عبيد.
عدن
30 سبتمبر 2024.