صخب حياة وحرمان !
[ad_1]
قراءة في القصة “رجل ينقصه الطمع” للمبدعة سلوى الإدريسي.
الحسين بوخرطة
العنوان طريف للغاية “رجل ينقصه الطمع”. طرافته تتجلى وكأن الكاتبة تعتبر آفة “الطمع” صفة مستشرية في مجتمعاتنا، وقليل من الناس من يقدر على مقاومتها في حياته اليومية. وبذلك، فكل من ينجح في النيل من هذه الظاهرة في سلوكه يعتبر حسب عمق كلمات العنوان حالة ذات خصوصية في أوطاننا العربية الإسلامية. كلمة “رجل” جاءت نكرة، والجملة في قراءتها تغوي للنطق بها بعلامة تعجب.
القصة جذابة بمنطق توالي الأحداث ولغتها الجميلة. السارد، المتسول والمتشرد في نفس الآن، يصف أوضاع الشارع العام نهارا وليلا. أثار إشكالية غزو الغرابة لحياة الإنسان في المدينة. فبالرغم من نور النهار، فهو لا يميز بين المارة رجالا ونساء. إنه يصف لنا تحولات عميقة في سلوك الناس اليومي. إنه زمن التيه والسرعة والبحث عن الترفيه المبالغ فيه ولو في الأحلام بالنسبة للمحرومين. المشاغل وهموم الحياة تبتلع ساعات أهالي المدن. يتحركون في الشارع العام لا أحد يرى وجه الآخر. الكومة السوداء ترمز لضبابية المآل والملاذ. حتى من يفكر في التعاضد وإعانة المتسولين والمشردين ماديا لا يسمح لنفسه حتى بانحناءة إنسانية لتلطيف وتدفئة نفسية المحتاجين وجبر خاطرهم والتهوين عن معاناتهم. لقد لعبت شخصية ثانونية وهامة في القصة دور هذا النموذج من الناس لإبراز استفحال مثل هذا السلوك الفتاك المنافي للمرجعيات الإنسانية المعتادة. إنه لا ينحني، يرمي النقود من علوه الشامخ، ويمضي بدوره إلى الكومة السوداء. الحياة تزداد صخابة للأقليات، وتزداد في نفس الآن صعوبة بالنسبة للعامة.
السارد المتسول، رفع شعار هزمه للطمع، لكنه مدمن طمع أكثر نبذا. قسا عليه الزمن وتنكر له القدر. يهرول كل يوم للوصول إلى عتبة منزل لا يهدأ من الصخب. متعته مرتبطة بالوصول إلى المنزل المعلوم، فيستسلم للتسلية بقهقهات أهله وشجاراتهم في منتصف الليل، بحيث تعمه النشوة الكبرى وهو يستحضر في ليله جاذبية امرأة السيد صاحب المنزل. إنه سحر المرأة الذي يستفز مكبوتاته وحرمانه كل يوم. اختيار ذلك المنزل لم يكن محط صدفة بل ارتبط بالصحب ووجود المرأة رمز زينة الحياة. يغلب عليه النوم بسرعة ليدخل عالمه اللاشعوري عبر الأحلام الحلوة. يضع رأسه فوق حياة تلك الأسرة ويغمض عينيه، يدخل منزلها في أحلامه، يركل الباب بقدميه معبرا عن كرامة وجوده المفقودة، ولا يبحث إلا عن زوجة السيد فيقبلها بعنف، ويلقيها على الأريكة… المرأة تصمت وكأنها تتذوق عالما جديدا ينسيها آلام التكرار والروتين، يدخل بعد ذلك المطبخ أمام أعينها وهي دائما صامتة، يلتهم ما تبقى من طعام العشاء. عشقه للمرأة جعله يفكر في أبنائها متعطشا للعب دور الراعي كباقي الخلق. إنه يحلم بأسرة خاصة به تقيه من طمع غزو الحيوات المقدسة للناس. يعود لزوجة السيد التي لازالت ملقاة فوق الأريكة، فيطلب منها أن تسمعه تلك التنهيدة التي لا يتملكما في واقع حياته اليومية….
هو لا يطمع إلا في الوصول إلى عتبة المنزل خائفا من فقدها في هذا الليل المتناثر في كل مكان، ثم الاستسلام لأحلامه اللذيذة … حياته تختزل كل يوم في التسول وجمع عدد من القطع النقدية الذي يضمن له مواجهة براثن الجوع، ليستعد للدخول في مغامرة أحلام العتبة داخل كيسه البلاستيكي، الأول حلم في عقر منزل السيد منتهكا حرمته، والثاني وسط البحر داخل قارب صغير يتقاسم العواطف ولذة الوجود مع نفس المرأة… محاولته للاقتراب منها لا تكتمل. ينقطع الحلم بركلة يصوبها الزوج في وسط بطنه بحذائه الأسود اللامع، ناهرا إياه ومحذرا له بعدم العودة إلى عتبة بابه.