الذكاء الاصطناعي وتأثيره على مهنة المحاماة .. الإمارات نموذجا
تكنولوجيا/الدستور الاخبارية
في خطوة غير مسبوقة نحو مستقبل يعتمد على الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني، أعلنت الإمارات العربية المتحدة عن إطلاق أول محام افتراضي من نوعه في المنطقة مطلع سنة 2025. تأتي هذه المبادرة ضمن إطار السعي نحو تحسين كفاءة النظام القضائي، وتسريع الإجراءات القانونية، وتقديم خدمات قانونية دقيقة وسريعة، في وقت تشهد فيه التكنولوجيا تطورا هائلا في مختلف القطاعات. هذه الخطوة تثير تساؤلات حول مستقبل المحاماة والقضاء، ليس فقط في الإمارات بل في باقي الدول العربية، وخاصة في المغرب. فهل يمكن للمغرب أن يشهد تجربة مماثلة؟ وكيف يمكن أن تتفاعل المجتمعات والنظم القضائية مع هذه التكنولوجيا المتقدمة؟
المحامي الافتراضي الذي أطلقته الإمارات هو تطبيق يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقديم خدمات قانونية متنوعة، حيث يمكن لهذا النظام تحليل القوانين وتقديم المشورة القانونية والإجابة على استفسارات المستخدمين بسرعة ودقة غير مسبوقة. ويعتمد المحامي الافتراضي على تقنية تحليل البيانات الضخمة والتعلم الآلي ليفهم ويعالج المعلومات القانونية، ما يجعله قادرا على تقديم حلول فورية للأفراد والشركات دون الحاجة إلى المحامين التقليديين.
وهو ما أكد عليه وزير العدل الإماراتي عبدالله سلطان بن عواد النعيمي، قائلا إن تقنيات الذكاء الاصطناعي “تفتح لنا آفاقا جديدة في تطوير المنظومة القضائية، بطرق حديثة مرنة وتفاعلية ترسخ العدالة في مجتمع آمن واقتصاد تنافسي”، بما يسهم في رفع الكفاءة التشغيلية، ويختصر الوقت والجهد، ويحسن فاعلية الإجراءات القضائية، ويعزز الدقة والسرعة في اتخاذ القرارات، ويخفف العبء الإداري عن المنظومة القضائية.
التقنية تهدف إلى تعزيز الشفافية وسرعة الوصول إلى العدالة، وهي خطوة جريئة تظهر التزام الإمارات بالتحول الرقمي واعتماد أحدث الابتكارات لتحسين الخدمات العامة، ضمن عالم يتغير بسرعة. ويعكس هذا الابتكار رغبة الإمارات في وضع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في قلب نظامها القضائي، محققة بذلك تقدما ملموسا نحو رقمنة القطاع القانوني والقضائي.
ويأتي إطلاق المحامي الافتراضي في إطار مساعي الإمارات لتحقيق العدالة بشكل أسرع وأكثر كفاءة. حيث أن النظام التقليدي في المحاكم غالبا ما يتطلب وقتا طويلا في تحليل القضايا وإصدار الأحكام، ما قد يسبب تأخيرا في تحقيق العدالة. هنا، يظهر المحامي الافتراضي كحل مثالي لتسريع الإجراءات عبر تقليل الفترة الزمنية اللازمة لمعالجة القضايا وتقديم المشورة القانونية.
إضافة إلى ذلك يوفر هذا النظام حلا لمشكلة التكاليف الباهظة التي تواجهها الأطراف المتقاضية في قضاياها، فبدلا من إنفاق أموال طائلة على الاستشارات القانونية التقليدية، يمكن للمستخدمين الحصول على نصائح دقيقة وسريعة بأسعار معقولة أو حتى مجانا عبر المحامي الافتراضي.
ولا شك أن هذه المبادرة تحمل في طياتها العديد من الفوائد التي تجعل النظام القانوني أكثر كفاءة وسرعة. من بين هذه الفوائد:
• تسريع المساطر القانونية: النظام يمكنه التعامل مع كميات ضخمة من البيانات القانونية في وقت قصير، ما يساهم في تقليل الفترات الزمنية الطويلة لحل القضايا.
• تقليل التكاليف القانونية: خدمات المحامي الافتراضي ستكون اقتصادية أكثر مقارنة بالخدمات القانونية التقليدية، ما يتيح للأفراد محدودي الدخل الوصول إلى العدالة دون تحمل تكاليف باهظة.
• تحسين الوصول إلى العدالة: هذه المبادرة تتيح لجميع المواطنين الإماراتيين، بغض النظر عن موقعهم وإمكانياتهم المالية، الحصول على استشارات قانونية فورية وفعالة، وهو ما يعزز مبدأ العدالة للجميع.
• دعم الابتكار التكنولوجي: الإمارات تثبت مرة أخرى أنها دولة رائدة في استخدام التكنولوجيا لدعم الخدمات الحكومية، ما يعزز سمعتها كمركز للابتكار والتكنولوجيا في المنطقة.
ورغم الفوائد العديدة التي يعد بها المحامي الافتراضي، إلا أن هذا الابتكار ليس بمنأى عن التحديات. فالتعامل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي في مجالات حساسة كالقضاء قد يثير بعض الشكوك والمخاوف لدى المستخدمين. السؤال الأبرز هنا هو: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل مكان المحامين التقليديين وأن يحظى بثقة الناس؟
إضافة إلى ذلك تأتي مسألة التنظيم القانوني في مقدمة التحديات، إذ يتطلب إطلاق مثل هذه التقنية إعداد تشريعات وتنظيمات تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني، لضمان عدم وقوع أخطاء قد تؤثر على مصائر الأفراد وضياع حقوقهم. وبالتالي سيكون على المشرع وضع قواعد دقيقة وصارمة حول كيفية استخدام هذا النوع من التكنولوجيا.
من جهة أخرى يشكل هذا التحول الرقمي تحديا كبيرا لمهنة المحاماة التقليدية؛ فمع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي قد يشعر المحامون التقليديون بالخوف من فقدان وظائفهم أو تقليص أدوارهم، وهو ما يثير تساؤلات حول مستقبل هذه المهنة وكيفية تأقلمها مع هذا التحول.
الإمارات العربية المتحدة تسعى لتكون من أوائل الدول في العالم التي تعتمد الذكاء الاصطناعي في جميع قطاعات الحياة، بما فيها القطاع القضائي، فرؤية الإمارات لعام 2031 تتضمن استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير نظام قضائي رقمي وفعال. ويعتبر المحامي الافتراضي جزءا من هذه الرؤية الطموحة، التي لا تهدف فقط إلى تحسين الكفاءة، بل إلى تغيير كيفية عمل القضاء بشكل كامل.
ومن خلال هذه الخطوة تظهر الإمارات استعدادها للتغيير وجرأتها في تجربة أساليب جديدة لتحسين الخدمات العامة. ومن المرجح أن تشكل هذه التجربة نموذجا يحتذى به في المستقبل من قبل دول أخرى.
أمام هذا التطور السريع الذي تشهده الإمارات يثار السؤال: هل يمكن للمغرب أن يشهد تجربة مشابهة في المستقبل القريب؟ وما هي التحديات التي قد تواجهه في تبني مثل هذه المبادرات التكنولوجية في النظام القانوني المغربي؟
الواقع أن المغرب يشهد تحولات رقمية هامة في مجالات عدة، ومع تزايد اهتمامه بتقنيات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، فإن فكرة تبني المحامي الافتراضي قد تبدو منطقية.
ومع ذلك، تواجه هذه الفكرة بعض التحديات الخاصة بالمغرب. من بين هذه التحديات البنية التحتية القانونية في المغرب في هذا المجال التكنولوجي الحديث، والتي قد لا تكون جاهزة بالكامل لاستيعاب نظام يعتمد على الذكاء الاصطناعي بشكل مكثف، كما أن تقبل المجتمع المغربي لمثل هذه التغييرات التكنولوجية في مجال حساس كالقضاء قد يكون بطيئا، نظرا للارتباط الثقافي والاجتماعي القوي بين المحاماة التقليدية والمجتمع.
وبذلك يبقى التساؤل مطروحا حول ما إذا كان النظام القضائي المغربي، الذي يواجه تحدياته الخاصة، قادرا على تبني الذكاء الاصطناعي كمحور أساسي لتحسين كفاءته وسرعته. هل يمكن للمغرب أن يتبنى المحامي الافتراضي كأداة فعالة لتحسين الوصول إلى العدالة وتطوير القضاء؟ أم أن التحديات التنظيمية والثقافية ستعيق هذا التحول؟