سلسلة لغز الحرب بين إسرائيل وإيران “الجزء الثاني” لماذا تخلت إيران عن سياسة “الصبر الاستراتيجي”بعد مقتل حسن نصر الله.(خاص)
قضايا ساخنة/الدستور الإخبارية/خاص:
خاص | بصحيفة الدستور الإخبارية
المقدمة: حقائق صادمة ومثيرة، في هذه السلسلة التي تكشف كافة الأسرار والحقائق في حرب إيران مع إسرائيل، وستكون تلك السلسلة على أجزاء تظم كافة الحقائق من جميع الجوانب المثيرة والشيقة، “ابقوا معنا
لماذا تخلت إيران عن سياسة “الصبر الاستراتيجي” بعد موت حسن نصر الله، رغم أنه بدأ خطابه بنعي السيد حسن نصر الله، فإن خروج المرشد الأعلى السيد الخامنئي في خطبة صلاة الجمعة بطهران وإلى جانبه بندقية، يعد بمثابة إعلان صريح بالتخلي عن سياسية “الصبر الاستراتيجي” التي تمسكت بها إيران منذ بداية عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول قبل عام.
ويبدو أن اغتيال نصر الله أجبر الإيرانيين على الدخول في حرب مفتوحه مع إسرائيل، بعد أن كان رأس الرمح فيها هو “حزب الله” الذي يقود المواجهة في جنوب لبنان بدعم إيراني. لكنها اليوم حرب ليس فيها قواعد اشتباك محددة، وهي مفتوحة على كل الاحتمالات، ما دام الاستعراض بالقوة حاضرا وموازين الردع غائبة.
اغتيال نصر الله، غيّر قواعد اللعبة. ولم تعد إيران قادرة على أن تكون خارج دائرة الاشتباك في الحرب ضد إسرائيل، رغم أنها تدرك جيدا أن دخولها في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، هو الغاية التي تسعى إليها حكومة الحرب في تل أبيب بقيادة بنيامين نتنياهو. لكنها لم تعد تملك خيار التخلي أو الاكتفاء بدور المتفرج.
ومنذ 7 أكتوبر 2023، كانت التصريحات القادمة من طهران تشير إلى أن إيران لا ترغب في تصعيد التوتر أو تحوّله إلى حرب إقليمية. وحتى بعد أن هاجمت طهران بالصواريخ إسرائيل في أبريل/نيسان الماضي، رداً على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، فإن إيران أكدت في بيانها أنها “استخدمت حقها المستمد من القانون الدولي”، مشددة على أنها “لا تسعى للدخول في حرب مع إسرائيل”.
وأيضا مع بداية عمليات القصف الإسرائيلي ضد “حزب الله” في لبنان، كان خطاب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزير الخارجية عباس عراقجي، يؤكد أن إيران تسعى إلى “منع انتشار الحرب في المنطقة”. وفي مؤتمر صحافي عقده عراقجي في نيويورك، أجاب فيه عن سؤال أحد الصحافيين حول “ما إذا كان (حزب الله) قد طلب من إيران التدخل عسكريا لدعمه؟”، أجاب أن “حزب الله” يتخذ قراراته بنفسه، “وهو قادر على حماية نفسه وحماية لبنان وشعبه”.
لكن بعد اغتيال نصر الله، لم تغير طهران الخطاب فقط، وإنما الأفعال أيضا، حيث بدأ الانخراط الفعلي في الحرب، بعد الهجوم بعشرات الصواريخ التي انطلقت من إيران تجاه إسرائيل، رغم أن إيران تدرك جيدا أن قرار الدخول في الحرب مباشرة، قد تكون له تكلفه عالية، أو ربما يدفع باتجاه الدخول في حرب استنزاف حتى وإن ظلت في حدود الضربات المتبادلة.
وربما الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني، يعيد نوعا من توازن الردع بين الجانبين، وذلك على الرغم من التهديدات التي أطلقتها إيران عبر نائب القائد العام لـ”الحرس الثوري” باستهداف “مصافي التكرير وحقول الغاز الإسرائيلية، إذا هاجمت إسرائيل إيران”. إلا أن كلتيهما لا تريد حربا شاملة بل حربا محدودة يمكن أن تكون ساحة المواجهة فيها بين تل أبيب وأذرع إيران المسلحة في المنطقة.
لذلك، فإن حسابات إيران الآن محددة، بين التخلي عن سياسة “الصبر الاستراتيجي”، والتفكير بأن تكون خسائرها محددة في التضحية بـ”محور المقاومة” أو القبول بإضعاف أذرعه. فـ”حزب الله”، وهو اللاعب الرئيس في استراتيجية الأمن القومي الإيراني في مواجهة إسرائيل، وفرض نفوذها في لبنان وسوريا، هو الآن يواجه معركته وحده، وقياداته الميدانية تواجه عمليات الاغتيالات الإسرائيلية. والحوثيون يستهدفون إسرائيل ويهددون بقطع طريق القوافل التجارية التي تمر بالبحر الأحمر، ولكن حتى الآن لم يتمكنوا من إشعال جبهة عسكرية ضد إسرائيل، لتخفيف الهجمات العسكرية ضد غزة أو “حزب الله” في لبنان.
أما الفصائل المسلحة في العراق، فهجماتها لا تزال ضمن حدود معينة، ولم تفتح جبهة قادرة على إشغال الإسرائيليين. ويبدو أن “تنسيقية فصائل المقاومة المسلحة في العراق” لم تتخذ قرارا بالدخول المباشر في الحرب حتى الآن، ولا يزال سلوكها محددا بمهمة تأكيد الاستعداد للمشاركة فيها.
صراع الاستراتيجيات بين طهران وتل أبيب، أصبح في أكثر مراحله وضوحا وصراحة. إيران تريد أن تبقي على نفوذها وسطوتها في بلدان المنطقة، ولكنها الآن في موقف المدافع عن هذا النفوذ ومحاولة الحفاظ على المكاسب التي تحققت طوال العشرين عاما الماضية. وهي تلوح بمنطق القوة، ولكنها لا تريد أن تتهور في استخدامها. ولعل هذا ما أكد عليه المرشد الأعلى في إيران في خطبة الجمعة بطهران، عندما قال: “نحن لا نتوانى في أداء واجبنا، لكن لن يقودنا التسرع والانفعال. ما هو منطقي وصحيح، وفقا لقرارات السياسيين والعسكريين، سيتم تنفيذه في الوقت المناسب. وفي المستقبل، إذا لزم الأمر، سنقوم بما هو مطلوب”
أما إسرائيل، فهي تريد فرض واقع جديد في المنطقة، يبدأ بتأمين حدودها، واستعادة قوة الردع، واستعراض فائض القوة العسكرية والتفوق المعلوماتي في الحرب. ومن ثم، تسعى إلى أن توجه هذه القوة ضد خصومها، وأن تضعف قدراتهم العسكرية. وهي تستغل فترة الانتخابات الأميركية، وغياب واشنطن عن مشهد الصراع في الشرق الأوسط، عدا التدخل لدعم إسرائيل، من أجل فرض واقع جديد في المنطقة، يكون الرئيس الأميركي القادم مجبرا على التعامل معه باعتباره أمرا واقعا. لذلك فإن معركة إسرائيل الآن هي معركة كسب الوقت حتى 5 نوفمبر/تشرين الثاني، موعد الانتخابات الرئاسية في أميركا، ليكون هناك شرق أوسط جديد برؤية إسرائيلية، ولكن ملامح هذا الشرق الأوسط ترسم بالدم والصواريخ والاغتيالات، وليس بالمفاوضات.