اهالي غزة في مواجهة شلل الاطفالاهالي غزة في مواجهة شلل الاطفال
صحيفة الدستور /غزة خاص
كأنّما كانت تنقص أهالي قطاع غزّة أزمة جديدة تُضاف إلى كلّ ما يقاسونه في ظلّ الحرب الإسرائيلية المتواصلة عليهم، فوجدوا أنفسهم أخيراً في مواجهة شلل الأطفال. وعلى الرغم من أنّ منظمة الصحة العالمية طمأنت، أوّل من أمس الجمعة، بأنّ لا إصابات بشلل الأطفال سُجّلت في القطاع المحاصر والمستهدف “حتى الآن” (19 يوليو/تموز 2024)، غير أنّها لم تخفِ أنّ ما اكتُشف “مقلق جداً”، وذلك على لسان المتحدّث باسمها كريستيان ليندماير.
اكتشاف جاء بعد أكثر من تسعة أشهر على الحرب التي تشنّها قوات الاحتلال على الفلسطينيين في قطاع غزّة، والتي أنتجت أزمة إنسانية كبرى على الصعد كلها. فلم يكتفِ الاحتلال بقصف الفلسطينيين وقتلهم وهدم منازلهم فوق رؤوسهم، وملاحقتهم إلى مراكز الإيواء التي لجأوا إليها هرباً من القذائف والصواريخ والرصاص، فقد هجّرهم مرّات عدّة، ولم يكتف كذلك في عمليات تهجير عكسية، بل يمضي في تجويعهم وفي استهداف صحتهم من خلال ضرب المنظومة الصحية التي يستندون إليها، علماً أنّ الانتهاكات التي يقع أهالي غّزة ضحيتها لا تنتهي هنا.
وكانت تحاليل شملت عيّنات عدّة من مياه الصرف الصحي في قطاع غزّة، لا سيّما من خانيونس في الجنوب ودير البلح في الوسط، قد بيّنت أخيراً وجود عناصر من فيروس شلل الأطفال من النمط 2 فيها. وأعلنت منظمة الصحة العالمية، بعدما كانت وزارة الصحة الإسرائيلية قد أصدرت بياناً، يوم الخميس الماضي، أفادت فيه بأنّها اكتشفت الفيروس في عيّنات من مياه الصرف الصحي حلّلتها من جهتها.
في هذا الإطار، يقول المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، وسط قطاع غزة، خليل الدقران إنّ “فيروس شلل الأطفال ينتشر في مياه الصرف الصحي، ويُنذر بوباء (محتمل) قد تنجم عنه كارثة صحية، في حال لم تُتّخذ التدابير اللازمة لتفادي الإصابة بالمرض”، مشدّداً على أنّ أوّل تلك التدابير “الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي المتواصل” على قطاع غزّة.
وأوضح الدقران أنّ “فيروس شلل الأطفال خطر، وقد يُصيب عشرات الآلاف بل مئات آلاف الأطفال (وربّما يصيب البالغين كذلك) في ظلّ الظروف الكارثية التي يعيشها أهالي القطاع، وتشديد الحصار عليهم، وإعاقة وصول المستلزمات الصحية والمواد الخاصة بالنظافة” العامة كما الشخصية.
وأشار المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى إلى أنّ ظهور فيروس شلل الأطفال يرتبط بـ”تدمير البنية التحتية في قطاع غزّة بفعل القصف الإسرائيلي على مدى الأشهر الأخيرة، ولا سيّما شبكات الصرف الصحي”. يُذكر أنّ تعطل تلك الشبكات واختلاط مياه الصرف الصحي بالمياه المستهلكة في الخدمة والشرب يتسبّبان بأمراض مختلفة، من بينها ما ظهر بالفعل من أمراض جلدية ومعوية وغير ذلك.
من جهتها، أفادت منظمة الصحة العالمية، خلال إعلانها عن كشف فيروس شلل الأطفال في عيّنات ستّ حلّلتها، بأنّ انتشار الفيروس أمر “متوقّع”، مع حرمان جميع الفلسطينيين في قطاع غزّة من التدخّلات الأساسية الخاصة بالصحة العامة التي من شأنها الوقاية من انتشار الأمراض عموماً. وأكدت المنظمة أنّ أمراضاً عديدة انتشرت في قطاع غزّة، في ظلّ انهيار المنظومة الصحية نتيجة استهدافها المتعمّد طوال أشهر الحرب الإسرائيلية المتواصلة، ولعلّ أبرزها التهاب الكبد الوبائي وأمراض جلدية.
أمّا وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزّة، فقد حذّرت بدورها من “كارثة صحية جديدة” مع رصد فيروس شلل الأطفال في عيّنات من مياه الصرف الصحي المأخوذة من مناطق مختلفة من القطاع، إذ إنّ ذلك يعرّض آلاف السكان للإصابة بالمرض. وأفادت في بيان، أصدرته بعد ساعات من إعلان وزارة الصحة الإسرائيلية اكتشاف الفيروس، بأنّ نتائج فحوص أُجريت على عيّنات من مياه الصرف الصحي التي تسيل بين خيام النازحين، بالتنسيق مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، بيّنت كذلك وجود فيروس شلل الأطفال فيها.
ودعت وزارة الصحة في قطاع غزّة إلى “وقف فوري للعدوان الإسرائيلي” على الفلسطينيين فيه، من أجل تفادي أزمة صحية كبرى، لا سيّما وأنّ “مياه الصرف الصحي الراكدة وأكوام النفايات والأنقاض تمثّل بيئة مواتية لانتشار مختلف الأمراض. ولفتت في هذا السياق إلى “شحّ المياه (…) وتلوّثها بمياه الصرف الصحي وتراكم أطنان القمامة ومنع الاحتلال إدخال مواد النظافة”. وأوضحت أنّ “رصد فيروس شلل الأطفال في مياه الصرف الصحي يعرّض آلاف السكان لخطر الإصابة بالمرض.
مياه الصرف الصحي تزيد احتمالات تفشّي شلل الأطفال في قطاع غزة، 19 يوليو 2024 (بشار طالب/ فرانس برس)
تجدر الإشارة إلى أنّ شلل الأطفال مرض فيروسي شديد العدوى، يغزو الجهاز العصبي ويستطيع إحداث شلل تام في غضون ساعات من الزمن، بحسب ما تفيد منظمة الصحة العالمية. تضيف الوكالة التابعة للأمم المتحدة أنّ هذا الفيروس ينتقل عن طريق الانتشار من شخص إلى آخر، فيصيب المرض الأطفال دون سنّ الخامسة بالدرجة الأولى، غير أنّه من الممكن أن يصيب أيّ شخص غير ملقّح ضدّه بصرف النظر عن سنّه.
في سياق متصل، يرى منسق اتحاد بلديات قطاع غزّة حسني مهنا، أنّه منذ بداية العدوان الإسرائيلي الأخير، الذي يمثّل حرب إبادة جماعية على قطاع غزّة، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحتى هذه اللحظة، “يتعمّد الاحتلال الإسرائيلي تعميق الأزمات الإنسانية في القطاع، والمساهمة في انتشار المكاره البيئية والصحية القائمة بفعل الاستهداف الكبير للبنية التحتية، الأمر الذي يؤدّي إلى انتشار الأمراض بين الفلسطينيين في القطاع، لا سيّما النازحين من بينهم”. يُذكر أنّ بيانات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين تؤكد أنّ أكثر من 90% من أهالي قطاع غزّة نزحوا مرّة واحدة على أقلّ تقدير.
ويؤكد مهنا، بدوره، أنّ استهداف البنية التحتية، لا سيّما شبكات الصرف الصحي، “تسبّب بانتشار مياه الصرف الصحي في الشوارع والمناطق المنخفضة، في حين توقّفت المحطات (الخاصة بتصريف تلك المياه) نتيجة نقص الوقود (الناجم عن تشديد الحصار وإغلاق المعابر) ولم تعد الطواقم البلدية قادرة على التعامل مع هذه الأزمات الكبيرة”. ويشدّد مهنا: “نعيش أزمات حقيقية وخطرة جرّاء عدم قدرة البلديات على القيام بدورها على أكمل وجه، بفعل الاستهداف الإسرائيلي المتعمّد لطواقم البلديات ومرافقها وآلياتها”.