الملحمة الاكتوبرية الجنوبية التي ردت الاعتبار للعروبة عقب نكسة حزيران
[ad_1]
في ذلك اليوم الأغر تحولت مدينة كريتر الى فوهة بركان حقيقي احترق به الغرور الاستعماري البريطاني، ومنها بدأ انحسار الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
*التداعيات وتسلسل الرد المنظم والحاسم*
جاءت ملحمة 20 يونيو بعد نكسة حزيران 1967م والتي استطاع خلالها الكيان الصهيوني هزيمة الجيوش العربية، حيث أصيبت الشعوب العربية وقتها بخيبة أمل وانتكاسة شديدة، وفي المقابل نشأ لدى الإنجليز بعد تلك النكسة اعتقاد بإمكانية القضاء على الحركة الوطنية التحررية الجنوبية وإعادة ترتيب الأوضاع في عدن والمحميات بالاتفاق مع العناصر الموالية لهم وبما يتناسب مع مصالح الاحتلال، لكن في المقابل كان لدى ثوار ثورة اكتوبر وكل فئات شعب الجنوب وضباط وجيش الاتحاد الذي يعتقد المستعمر أنه سينفذ ما يملى عليه مرارة تحولت الى عنفوان ثوري في سلسلة من الأحداث والانتفاضات السلمية والعسكرية بددت تصورات المستعمر في إخماد ثورة 14 من أكتوبر.
البداية أشبه بمحاولات قوى المحتل اليمني التي فشلت مرة بعد اخرى نظرا لمحاولات تجديدها بمسميات وأدوات مختلفة، حيث شعرت سلطة الاستعمار البريطاني ونظرا لإخفاق كل وسائلها العسكرية والحربية واجراءاتها القمعية في كبح جماح إرادة الثوار في التحرير والاستقلال وإيقاف زحفهم، إلى تنفيذ مخطط إبقاء احتلالها للجنوب وعاصمته عدن من خلال تشكيلات عسكرية وأمنية سبق وان دربتها وسلحتها، لكنها تفاجأت بأن الكثير من قادة تلك التشكيلات على علاقة مع الحركة الوطنية الجنوبية التحررية وجيش تحريرها، وهو ما دفعها إلى الإسراع في اتخاذ قرارات تعزز خططتها و تخدم مصالحها واهدافها.
في الأول من يونيو 1967م صدر قرار السلطات البريطانية بإنشاء ”جيش الجنوب العربي” من خلال توحيد خمس كتائب من جيش الاتحاد النظامي وأربع كتائب من الحرس الاتحادي وأوكلت مهمة الإشراف إلى الضابط البريطاني (داي) وعين العميد ناصر بن بريك العولقي قائداً للجيش بينما توزعت المناصب الرئيسية الأخرى بصورة لم تقنع ضباط الجيش الجديد، فكان ذلك بمثابة إضافة جديدة لإشعال فتيل إنتفاضة داخل آخر معاقل السلطات الاستعمارية وتحديد في العاصمة عدن.
في هذا الجو المشحون وفي 14 / 6 / 1967م أصدرت قرارات بإيقاف أربعة ضباط من الذين وقعوا مذكرة المطالب التي رفعت إلى المجلس الأعلى لحكومة الاتحاد وإلى المندوب السامي.
تسرب قرار التوقيف، فقررت قيادة الجيش والأمن وبالتنسيق مع الجبهة القومية (ذات التأثير الكبير في أوساط ضباط الجيش والأمن) قبول التحدي واستباق القرار عبر القيام بحركة تمرد بطولية بداية الدوام الأسبوعي أي السبت 20 يونيو 1967م.
الا ان حالة الغضب والعنفوان المنظم ادى الى انفجار الوضع في يوم الجمعة 19 يونيو أثناء محاولة ضباط وجنود معسكر (فقم) في البريقة الاستيلاء على المعسكر ، صحيح ان القوات البريطانية افشلت ذلك ، إلا أن الانتفاضة استمرت وبصورة ووتيرة اكثر. استغلت قيادة الثورة تلك القرارات بحنكة ودهاء كبيرين ووظفتها ضد المستعمر، كانت على ثقة بأن الجيش الذي اطرت كثيرا من ضباطه وافراده في تنظيمات سرية منذ وقت سابق سيضعف ثقة المستعمر بنفسه.
حاول وزير الخارجية البريطانية من لندن إيصال رسائل تطمين على أمل تهدئة الأوضاع المتوترة، لكن رسائل الحكومة البريطانية ساهمت من حيث لا يرغب، حيث ساهم في إشعال الموقف، وزاد من إصرار الجبهة القومية وعناصرها في الجيش والأمن بضرورة أخذ زمام المبادرة والسير في مشوار التحدي والمجابهة إلى نهايته من خلال تصعيد الخلاف حول الضباط الموقوفين خاصة بعد أن أصبح من المؤكد سعي قوات الاحتلال وعملائها لتصفية خلايا الجبهة القومية المتغلغلة في صفوف الجيش والأمن.
انتشر خبر الانتفاضة من داخل المعسكر “البريقة” إلى مدينة الشيخ عثمان, عندها خرجت الجماهير في مسيرة منظمة وحاشدة مما دفع القوات البريطانية إلى إعلان حالة الاستنفار القصوى لوحداتها العسكرية وبقية أجهزة حكمها وفي حوالى الساعة التاسعة من ذلك اليوم الميمون وبينما كانت القوات البريطانية آتية من معسكر سنغافورة باتجاه معسكر (ليك لاين) في مدينة الشيخ عثمان اعترضها جنود الحرس الاتحادي المتمركزين في معسكر (تشامبيون لاين) وأطلقت عليها النيران مما أدى إلى مصرع (9) جنود بريطانيين وجرح (11) وإعطاب عدد من الآليات وفي المقابل استشهد اثنان من ثوار الابطال.
*صباح 20 يونيو*
في يوم 20 يونيو 1967م، كانت الكثير معسكرات الأمن والجيش التابعة للجيش الاتحادي، التالية ساحة اندلاع الانتفاضة الباسلة: معسكر صلاح الدين (في البريقة)، معسكر ليك (الشهيد عبدالقوي)، ومدينة الاتحاد (مدينة الشعب)، ومعسكر شامبيون (النصر)، وكان معسكر البوليس المسلح (20 يونيو)، هو الساحة الرئيسية لهذه الانتفاضة والملحمة البطولية.
على إثر ذلك دفعت القوات البريطانية بتعزيزات جديدة وقامت بهجوم على معسكر النصر من كافة الاتجاهات فدارت معركة كبيرة تكبد فيها المحتل خسائر فادحة في الأرواح والمعدات والأنكى من ذلك خسارته الكبيرة المتمثلة بمن كان يعتمد عليهم ، ليس بانضمامهم إلى جانب الثوار بل قيامهم في مواجهته المباشرة وبانحيازهم التام إلى جانب الوطن الجنوب. توقف القتال ظهر ذلك اليوم، إلا أن التوتر انتقل إلى معظم مراكز ومعسكرات الجيش الاتحادي وأشدها توتراً معسكر (أرمد بوليس) (الشرطة المسلحة) معسكر 20 يونيو في كريتر حيث قام الفدائيون في البوليس المسلح والمدني والفدائيون المدنيون… بإغلاق مدينة كريتر في وقت وجود لجنة من الأمم المتحدة لتقصي الحقائق، كانت تقيم في فندق السيفيو وحينها شعرت بريطانيا بالحرج فأرسلت عربات عليها 16 ضابطا وجنديا بريطانيا دخلت إلى المدينة غير أنهم قتلوا.
في نفس اليوم وعند الشعور بالهزيمة وتمكن الجنود والضباط من الاستيلاء على مخازن الأسلحة والذخائر رغم الاحتياطات الكبيرة التي اتخذها المستعمر للحيلولة دون ذلك ورغم ذلك التفوق الكبير للجيش البريطاني إلا أن الثوار أحكموا سيطرتهم على المدينة بشكل تام رغم استمرار القوات المحتلة بالقصف من كل الاتجاهات البرية والبحرية والجوية لمدينة.
ورغم ما عرف عن القوات البريطانية من تكتم عن الخسائر التي مني بها على طول سنوات ثورة أكتوبر وما سبقها من انتفاضات مسلحة على امتداد الجنوب، إلا أنها ومع مغيب شمس اول أيام ملحمة 22 يونيو بأنها خسرت (22) جندياً وضابطاً وعدداً من الجرحى.
مع مغيب شمس أول أيام الملحمة أعلنت القوات البريطانية بأن قواتها خسرت (22) جندياً وضابطاً وعدداً من الجرحى مع ما عرف عنها من التكتم الدائم عن الخسائر، وبنفس اليوم عقد مجلس العموم البريطاني اجتماعا طارئا لمناقشة ما يحدث في عدن وفيه أعلن (نائب وزير الخارجية البريطاني) بأن هذا اليوم يوم المأساة السوداء وأن الموقف خطير معترفا أن الخسائر البريطانية خارج مدينة عدن تزيد عن 12 جندياً وضابطاً ومدنياً واحداً وإصابة 29 آخرين من الجنود وهناك 22 جندياً وضابطاً مازالوا في عداد المفقودين أما خسائرهم في مدينة كريتر فلم تزل مجهولة.