حياة والدي من الواقع ومن الحلم
[ad_1]
بقلم : محمد حسيكي
البشرية من نظرتها الكونية، تستمد وجودها من عقيدتها مع خالقها بالكون، الذي يبعث الحياة في التراب من الماء، وفي الرحم من الأحياء، وهو ينسبها من الولادة إلى الوالدين .
والتواصل بين الخالق والمخلوق، مقصور من العقيدة على الإنسان العاقل من وصية بوالديه، وهي دين له من الدنيا، ورحمة عليهم من آخرة حياتهم .
الوالدين :
الوالدين هما زوجين اثنين من جنسين متجانسين، خاليين من موانعهما، صالحين لصيرورة الحياة واستمراريتها بالإنجاب، تحكمها الشريعة بالعقل، ويحكمون بنوتهم بالتربية التي تبلغ بهم سن الرشد من الجسم والعقل، والقدرة على التحملات العائلية والاجتماعية .
ومن التربية أن يرى الإنسان والديه، من الواقع وهو من النشأة حلمة منهم، ومن الحلم أن يراهم وهو روحا منهم، كما ربياه صغيرا .
والدي من الواقع :
بعد أن يفارق الانسان الحياة الباطنية، التي يكتمل منها خلقته الروحية والجسمية، ينتقل إلى الحياة الكونية في كنف والديه، لاستكمال تربيته الجسمية والروحية، التي يكتسب منها سن التمييز والنضج بالعقل السليم .
وهكذا بعد أن ينتقل من حياة البطن، إلى حياة حجر الأمومة، يتعلم منها هوية النطق بالنسب من الأب والام، ثم ينتقل تربويا إلى يد الأبوية، كي يتعلم منه أدب البيت، كما يتعلم منه أدب المجتمع، وأدب طلب العلم، كما يتعلم منه أيضا حين يشب عوده صيرورة الحياة، بالاعتماد على النفس والبناء الذاتي، وضبط السلوك بالعقل، من العمل والمعاملة مع الغير، التي يحافظ منها على الحياة، وديمومتها بما أوتي من تربية وعمل .
ومن والداي استقبلت في الحياة بين أيديهم، بالدعابة من النظرة والابتسامة، وهما ينشدان مني في حياتي الأخرى بينهم، مقابلتهم بالنظرة والابتسامة تفاعلا لابتسامة منهم، و الرؤية إلى الحياة الكونية العامة من الواقع المتحرك، بدل حياة البطن الخاصة بـ الساكن المتحرك.
رفقة من الواقع :
ابتدأت الرفقة الأولية من الوالدين، على يد والدتي، حين أخذت بيدي إلى الجامع لتعلم القراءة والكتابة، وقتها انحنت بالتقبيل على رأس الفقيه، وعلمتني أوليا تقبيل يده، لطلب العلم من المعلم، وأخذ مكاني للتعلم من الوسط المتعلم، الذي يجمع بين القراءة الجماعية والفردية من وسط جماعي .
وعهد الالتحاق بالمدرسة العمومية، أعجب والدي من الدخول المدرسي بالمحفظة لدى المدرس، الذي يملأها من دفاتر القسم للتصحيح، وحين اقتنى لي أولا محفظة دفاتر للقسم، ارفقها بالشراء محفظة ثانية في مستوى محفظة المعلم، كخزانة بالبيت لحفظ كتب الدراسة .
وحين أخذ بيدي يوما وسط بائعي الكتب، اقتنى كتابا مسفرا من الحجم الكبير، يحمل عنوان رياض الصالحين، مشاركة منه في إثراء أولي لتجاويف محفظتي المعلقة على جدران البيت .
ومن يوم آخر معه في تجوال من العطلة الأسبوعية، أكرمني بوجبة غذاء من مطعم خارج البيت، وإذا بنا ونحن بالطريق، اقتني صحيفة يومية، ونحن مترجلين وسط المارة، ومن بعد تصفح عناوينها، أحسن لفها ثم سلمها من يده إلى يدي، ووقتها لازلت على غير دراية بما في الكتاب، ولا ما في الصحيفة .
تعلمت من والدي بالبيت، التحية بالسلام مع العموم، وتقبيل يده اليمنى، التي بها يشهد المسلم على نفسه من دينه، ويؤدي بها التحية من صلواته، كما تعلمت منه كيف أتعامل باحترام مع الكبير، والأخذ بيد الصغير .
تلكم كانت منه أدب الأب، الملقنة للابن، تربية وأخلاقا جارية على البيت ومن الحياة الاجتماعية العامة
والدي من الحلم :
قبل أن أعرف من السن الحلم، تعلمت من والدي أدب التشميت حين تأتيه نوبة العطس، لأقول مخاطبا شخصه من التشميت: رحمك الله يا أبي، وبعد أن يستغفر الله، يجيب غفر الله لنا ولكم .، وإن كان غيره، يستوجب القول رحمكم الله .
بعد أن رحل والدي من الواقع، عن الحياة الكونية، فقدنا رؤيته الحية من واقع، وليس من منفذ للرؤية غير نافذة الحلم، إذ لم يترك من الذكرى صورا مصورة، أو تسجيلات مسجلة، إلا ما سطرت ذاكرتي من التربية عن واقع الحياة، التي تنتهي بنا إلى الثرى، وتعود أجسامنا من الرؤية بالروح حلما .
ومن ثمة يكون الحلم هو الرؤية التي ترى بالروح، وليس بالعين التي ترى، إذ الروح ترى ما لا يرى ومما ترى
وبالروح تلك تشبعت وتواصلت، مع روح والدي من الواقع ومن الحلم، وما هو من الروح إلا قمر الثرى من النجم .