الأزمة الاقتصادية وتداعياتها على التعليم: الأسباب و الحلول .
الضالع. الدستور خاص تقرير عبدالله السييلي
( إذا أردت أن تهدم حضارة قلل من شأن معلِّما، و أذل طبيبا، وهمّش عالما و أعط قيمة للتافهين ).
في هذا التقرير نحاول أن نسلط الضوء على تأثير الأزمة الاقتصادية التي يمر بها الجنوب على التعليم وإنخفاض جودته .
إن الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها شعب الجنوب قد أثرت سلبا وأنعكست نتائجها على جودة التعليم في المدارس وحتى الجامعات ، فالمعلم ركن أساسي من أركان العملية التعليمية التعلمية وأداءه يتأثر بالظروف المعيشية التي أصبح يعاني منها الجميع لكن أثرها يبدو أكبر على المعلم فينعكس ذلك على المجتمع.
أولاً: التعليم الأساسي والثانوي :
هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى تراجع ملفت في جودة العملية التعليمية ومغادرة بعض التلاميذ مقاعد الدراسة للالتحاق بسوق العمل منها ماهو متعلق بالمعلم وتدني مستوى الأداء في الفصل ومنها ماهو متعلق بأولياء الأمور والتلاميذ بالإضافة إلى عوامل أخرى.
أسباب تدني أداء المعلم :
هناك العديد من الأسباب التي أدت الى تدني أداء المعلم منها الشعور بالإحباط وعدم التقدير والإحترام سواء من المجتمع أو الحكومة ففي الوقت الذي يبذل فيه جهود كبيرة بالإنضباط والتدريس يقابل براتب أشبه بالإعانة الشهرية لا يتجاوز 50 دولاراً في أحسن حالاته لمعلم يحمل شهادة البكالوريوس وبخدمة تتجاوز الـ 30 عاماً ، ولا يمكنه بأي حال من الأحوال توفير المواد الغذائية الرئيسية لأسرته حتى لو تضاعف هذا المبلغ .
لذلك أكثر المعلمين لجأوا الى تحسين دخلهم من خلال إيجاد بدائل بأعمال جانبية لعل وعسى تمكنهم من توفير المتطلبات الأساسية لأسرهم في ظل إنهيار إقتصادي مخيف وصمت حكومي مريب.
كما لجأ بعض المعلمين الى الالتحاق والتسجيل بالسلك العسكري تاركين مدارسهم وفصولهم خاوية وهذا أثر سلبا على التلاميذ حيث يمر عام دراسي كامل دون دراسة بعض المواد.
بالإضافة إلى أن تأخر راتب المعلم يعتبر واحد من الأسباب التي تدفع بالمعلم إلى القلق وعدم الإستقرار النفسي وهذا ينعكس على أداءه داخل الفصل.
أسباب متعلقة بأولياء الأمور والتلاميذ:
أثرت هذه الأوضاع الإقتصادية على أولياء الأمور والتلاميذ فخلال العامين الماضيين شهدت المدارس تسرب وتوقف بعض التلاميذ عن الحضور وعندما سألت أحد مدراء المدارس عن السبب أجاب :
( بعض أولياء الأمور ونتيجة للفقر وللظروف الصعبة لايجد مصاريف شراء المستلزمات من ملابس وكتب ومصاريف يومية وغيرها لذلك لا يرسلون أولادهم للمدرسة ، كما أن بعض التلاميذ خصوصاً في الصفوف ثامن وتاسع والمرحلة الثانوية يتركون مقاعد الدراسة ويلتحقون بسوق العمل أملاً في مساعدة أسرهم بالتغلب على الظروف المعيشية الحالية ).
من جهة أخرى تحدث المشرف الاجتماعي قائلاً: ساهمت هذه الأوضاع الصعبة في خلق الكثير من المشاكل الأسرية نتيجة لعدم قدرة رب الأسرة على توفير الحد الأدنى من المتطلبات ، وهذه المشاكل انعكست سلباً على نفسية التلاميذ وأثرت على تحصيلهم العلمي وانخفاض مستواهم التعليمي .
أسباب أخرى:
– النقص الحاد في المعلمين خصوصا مع توقف التوظيف منذ العام 2011م.
– عدم توفر الكتاب المدرسي وهذا يضاعف معاناه أولياء الأمور خصوصاً لمن لديهم أربعة أو خمسة تلاميذ .
– الموقف السلبي لوجاهات ومؤسسات المجتمع المدني وعدم سعيهم لإيجاد حلول بديلة في ظل غياب تام للدولة.
– عدم تفاعل مجالس الآباء مع إدارات المدارس وتنصلها من أداء واجباتها.
– عدم وجود التغذية المدرسية التي تحفز وتشجع التلاميذ وتخفف من عبئ المصاريف على أولياء الأمور.
ثانياً :التعليــم الجامعـي:
أما التعليم الجامعي فقد شكل إعلان كلية التربية جامعة عدن صدمة حقيقية حيث لم يتجاوز عدد الطلاب المسجلين في بعض الأقسام عدد أصابع اليدين في تراجع مخيف ومؤشر خطير لعزوف الشباب عن الالتحاق بالتعليم الجامعي ناهيك عن إغلاق بعض الأقسام لعدم وجود متقدمين فيها، ويرجع السبب في ذلك الى :
– ضعف الحالة المعيشية للمواطنين وعدم قدرتهم على الإيفاء بمتطلبات دراسة أولادهم من رسوم وكتب وملازم ومواصلات ومصاريف وغيرها .
– شعور الشباب بالإحباط وعدم الجدوى من الدراسة خصوصا بعد تكدس عشرات الآلاف من الخريجين دون حصولهم على وظائف.
– أصبح الشباب يجدون أن تحقيق أحلامهم يكمن بالالتحاق بالسلك العسكري وليس في التعليم الجامعي لما فيه من عائد مادي كبير.
– عدم إهتمام الحكومة والجهات المختصة بتوفير التدريب والتأهيل والتعليم وايجاد فرص عمل للشباب.
كل ما سبق ينذر بكارثة أن أنهيار منظومة التعليم مسألة وقت إذا لم يتم تدارك الوضع وإيجاد حلول مستدامة.
الحلول و المعالجات :
يتطلب الوضع الحالي حلول عاجلة وفورية وتدخل مباشر من الحكومة والتحالف فعليهم تقع مسؤولية أخلاقية وقانونية لانتشال المواطن من هذا الوضع الكارثي كون التحالف هو المسؤول الأول عنا بعد أن وضعنا تحت وصايته بالبند السابع .
يمكن إيجاز بعض الحلول الإقتصادية العاجلة التي تبلورت في الآتي:
– على الحكومة إتخاذ تدابير تقشفية في النفقات.
– تقليص البعثات الدبلوماسية والأموال المحولة بالعملة الصعبة للخارج.
– صرف رواتب وزراء الحكومة وموظفيها بالعملة المحلية.
– اغلاق محلات الصرافة التي تضارب بالعملة وتؤدي إلى إنخفاض سعر الريال.
– تقنين أو وقف تحويل العملة الصعبة الى مناطق سيطرة جماعة الحوثي .
– استئناف تصدير النفط.
– محاسبة المتلاعبين بتدهور العملة والمتورطين بخلق الأزمات.
– اشراف مباشر من وزارة التخطيط والتعاون الدولي على مشاريع المنظمات بحيث تذهب أموال المانحين الى مكانها الصحيح.
كما أن هناك حلول يمكن للمجتمع تقديمها من خلال:
– تفعيل دور مجالس الاباء وقيامهم بوظيفتهم الأخلاقية تجاه مدارس أبناءهم .
– يمكن للسلطة المحلية التدخل لمواجهة أوضاع المعلمين الصعبة من خلال توجيهها للمنظمات بأستهداف المعلمين كما هو حاصل في بعض المناطق .
– تشجيع منظمات المجتمع المدني لدعم التعليم من خلال توفير الحد الأدنى لمتطلبات العملية التعليمية مثل طباعة الكتب وتوفير الأثاث.
ختامــاً:
يعلم الجميع أن كل هذه الأزمات والحرب القذرة واللا أخلاقية التي تستهدف شـعـــب الجنوب ما هي إلا مماحكات سياسية تهدف إلى تأخير حصول أبناء الجنوب على حقهم المشروع والعادل في إستعادة دولتهم خصوصا بعد تأكد التحالف والمجتمع الدولي استحالة عودة الشرعية الى صنعاء .
لذلك على الجميع تحمل مسؤولياته تجاه هذا الوضع الكارثي لشعب الجنوب قبل أن يثور الشعب لينتزع حقوقه ويحرق جلاديه .
فهل من صحوة ضمير قبل فوات الأوان؟