مقامرة زيلينسكي في معركة كورسك.. «تكلفة باهظة» لأوكرانيا
الدستور الاخبارية|متابعات
رغم التوغل الأوكراني في روسيا، يواصل الروس تعزيز مكاسبهم في أوكرانيا، ما أثار تساؤلات بشأن دوافع هذه المقامرة وإمكانية نجاحها.
من وجهة النظر الأوكرانية لا تتعلق معركة كورسك بالنصر العسكري الشامل بقدر ما تتعلق بجمع المزيد من أوراق التفاوض في مفاوضات السلام المستقبلية مع روسيا، وفقا لموقع مؤسسة “الحكم الرشيد”.
لكن هذا التبادل لن يصب في صالح أوكرانيا إلا إذا تمكن جيشها من الاحتفاظ بمزيد من الأراضي مقارنة بما تسيطر عليه روسيا خلال الفترة التي تسبق بدء المفاوضات الرسمية. وعندئذ فقط سيكون زيلينسكي قادرا على الادعاء بأن خسارة الرجال والسلاح كانت تستحق العناء.
ولكن هامش الربح في أي تبادلات مستقبلية للأرض مقابل الأرض آخذ في الضيق. وكل أمل في محادثات وقف إطلاق النار التي تم التخطيط لها قبل وقت قصير من معركة كورسك قد تبخر.
وبدلا من ذلك، شهدنا تشددا في موقف روسيا. ففي منشور على تطبيق تليغرام في الحادي عشر من أغسطس/آب، عبر دميتري ميدفيديف عن الغضب داخل الكرملين إزاء تصرفات أوكرانيا غير المسؤولة. ودعا روسيا إلى الاستيلاء على أوديسا وخاركوف ودنيبرو ونيكولاييف وكييف وما بعد ذلك.
الحاجة لنصر معنوي
وبحسب التقرير كانت أوكرانيا بحاجة إلى رفع الروح المعنوية لجنودها ومواطنيها المدنيين بانتصار من نوع ما، في وقت كانت فيه خطوطها في دونباس تتصدع، وكان الدعم الغربي لإمدادات الأسلحة المجانية يتضاءل، وكانت نتيجة الانتخابات الأمريكية مثيرة للقلق ولربما اعتقد زيلينسكي أنه ليس لديه ما يخسره.
ويرى ويل كينغستون-كوكس متخصص في الشؤون الروسية أن “هذه العملية (كورسك) بدت طموحة للغاية”، خصوصا وأن “القوات المرسلة إلى روسيا هي من وحدات الانتشار السريع”، وكان لهذه القوات أن تلعب دورا هاما في بناء خطوط الدفاع مع الاحتفاظ بالقدرة على الانسحاب بشكل سريع.
لكن وجهة النظر هذه لا تحظى بإجماع كافة المراقبين. إذ قال سيم تاك المحلل عسكري المتابع للحرب في أوكرانيا منذ بداية الحرب الروسية: “لا أعتقد أنه كان بإمكان هذه الوحدات تغيير ميزان القوى في دونباس”.
ولعل هيئة الأركان العامة الأوكرانية شعرت أنه من الأفضل استخدامها (تلك الوحدات) لتحقيق نصر كبير في منطقة كورسك بدل إرسالها إلى دونباس حيث لن يكون لها على الأرجح تأثير كاف.
صفقة تبادل
وبالتالي، يمكن استخدام الأراضي التي يسيطر عليها الأوكرانيون في هذه المنطقة كرصيد في مفاوضات السلام المستقبلية”.
وكان د. فولوديمير شوماكوف الدبلوماسي الأوكراني سابق والمستشار السابق لمحافظ خيرسون وأستاذ العلوم السياسية، قد ذكر في حوار سابق، أن احتلال مناطق روسية على غرار ما يحدث في كورسك، قد يجبر لاحقا “بوتين على إجراء تبادل، أي مبادلة أراض أوكرانية بأخرى روسية”.
وبعبارة أخرى، فبإمكان كييف أن تحاول، حين تحين الفرصة، استبدال هذه الأراضي الروسية التي تبلغ مساحتها في الإجمال أكثر من 1200 كيلومتر مربع بغنائم الحرب الروسية في دونباس.
لكن “إذا كانت كييف تأمل فعلا في استخدامها (كورسك) كورقة للمساومة، فمن المرجح أن تكون تلك الحسابات سيئة”، وفق تحليل فيرونيكا بونيشكوفا، خصوصا وأنه ليس من المؤكد أن تتمكن القوات الأوكرانية من احتلال هذه الأراضي الروسية بشكل دائم.
إلى جانب ذلك، يضيف ويل كينغستون-كوكس سببا آخر قائلا: “حتى تكون لهذه المنطقة الروسية قيمة كورقة للمساومة، ينبغي على موسكو أن تعطي انطباعا بأنها تهتم بها حقا، وهذا ليس واقع الحال”.
على صعيد الدعاية، فمن المهم جدا بالنسبة للكرملين إظهار أن أولويته القصوى هي الاستيلاء على دونباس، التي يتم تقديمها كجزء لا يتجزأ من أراضي روسيا. في المقابل، فإن إعطاء التوغل الأوكراني في كورسك أهمية معينة، قد يظهر موسكو في موقف الدفاع، بعد أن كانت تملك زمام المبادرة.
ومع تراجع أوكرانيا بشكل مطرد للانسحاب من دونباس، قد يرسل زيلينسكي المزيد من الرجال والمعدات للاحتفاظ بالأرض في كورسك، بتكلفة باهظة، في محاولة يائسة لإظهار أن مقامرته لم تكن كارثة.
ويفترض بعض المعلقين الغربيين أنه إذا انتُخب دونالد ترامب رئيسًا، فقد يضغط لوقف إطلاق النار. وعلى خلفية الأدلة المتزايدة على أن أوكرانيا تخسر ببطء، لا يستبعد أن يدفع بايدن باتجاه وقف مؤقت للقتال قبل نوفمبر/تشرين الثاني. لكن غياب الحوافز الغربية لتشجيع روسيا على التقدم من أجل السلام، قد تدفع بوتين لعدم الاكتراث بالمكانة التي يريد شاغل البيت الأبيض الجديد أن يضع فيها السياسة الخارجية الأمريكية.