في سلبيات القطيع

بقلم الدكتور عوض أحمد العلقمي

جمعتني ذات يوم الصدفة بأحد الثوار الكبار ، أو قل إن شئت أحد المتمردين على النظام ، في مديرية الشمايتين ، صعدنا إلى حوض المركبة قاصدين مدينة المدنية والجمال ، وفي أثناء وقوفنا في المركبة ، ونحن نمسك بجدرانها الحديدية خوفا من أن نتساقط من شدة الرياح التي تعبث بنا جراء سرعة المركبة ، سمعت أحدهم يقول : كيف حالك يافلان ؟ وهنا عادت بي الذاكرة في سرعة الضوء إلى زمن قد مضت عليه عقود ، وعشعش عليه النسيان ، وبنت عليه العنكبوت منازلها ، وإذا بي استذكر ذلك الثائر الذي لمع اسمه ، وبدا عصيانه وتمرده على النظام إلى العلن ، وأصبح حديث الساعة ، وأنا حينها لما أكمل العقد الأول من عمري .
عند ذلك بقيت للحظات من الوقت أقلب ذلك الاسم في مخيلتي ، وأسأل نفسي أيعقل أن هذا الشيخ المسن هو ذلك الثائر الذي تمرد على النظام ذات يوم من أجل أن ينصف المظلومين ويعيد شيئا من الأمل للبؤساء ؟ وبعد قليل من الوقت قررت أن أتوجه إليه بالسؤال ، هل أنت ذلك الثائر الذي أعلن العصيان على النظام والتمرد المسلح في ثمانينيات القرن المنصرم في المنطقة الجنوبية للشمايتين ؟ قال : أجل أنا هو ذاك . لم أكتف بذلك ، فقلت أسأله سؤالا آخر ليطمئن قلبي ، فقلت : هل أنت ذلك الثائر الذي كان ينتزع للمظلومين حقوقهم من ظالميهم ؟ قال : أجل أنا هو ذاك .
حييته مجددا ثم استأذنته في أن أطرح عليه سؤالا آخر ؟ ابتسم ثم قال : سل مابدا لك أيها الفتى ، وفي هذه الأثناء قلت : لقد كانت فكرتك جيدة ، وثورتك مباركة ، وتمردك في محله غير أن نهايتك كانت مخزية ، وهنا قاطعني قائلا : افصح عما في نفسك يافتى ، فأنا لم أفهم ما الذي تعنيه بالنهاية المخزية ؟ قلت : لقد كان لديك الكثير من المقاتلين الأشداء ، وكذلك الكثير من الأسلحة ، والتحصينات القوية في أعالي تلك الجبال الشاهقة ، لكن عندما زحف نحوك قطيع البؤساء والبسطاء ورعاع القوم الذين كانت أسلحتهم الشخصية بدائية للغاية ، وليس لديهم شيء من العدة والعتاد ، بل ليس لديهم حتى مركبة إسعاف لنقل جريح أو مصاب ، ومع ذلك  هربت من لقائهم كالفأر مذعورا !!! أجاب : أيها الفتى إن تمردي وعصياني على النظام كان من أجل نصرة ذلك القطيع البائس ، فكيف أقتلهم ؟ لذلك رأيت الهروب منهم وتجنب التنكيل بهم أفضل الأمرين وأهون الشرين !!!

مطاعم ومطابخ الطويل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى