لماذا تعطّلت أعمال اللجنة العسكرية الليبية؟
[ad_1]
منذ اجتماعها في العاصمة الفرنسية باريس في شهر يوليو (تموز) الماضي، لم تلتق اللجنة العسكرية الليبية المشتركة «5 + 5» ثانية على طاولة مباحثات، وهو ما أرجعه سياسيون ومحللون إلى ضغوط داخلية وانشغال البعثة الأممية (راعية المسار العسكري الأمني) بالجدل الدائر بشأن قوانين الانتخابات المنتظرة.
وتتكون اللجنة من ممثلين لـ«الجيش الوطني» برئاسة المشير خليفة حفتر، ولقوات حكومة «الوحدة الوطنية» بقيادة عبد الحميد الدبيبة. ومنذ تشكيلها بوصفها من المخرجات المهمة لمؤتمر برلين في عام 2020، ترقب متابعون للشأن الليبي ما قد يسفر عنه عملها، وتحديداً بشأن توحيد الجيش المنقسم بين شرق البلاد وغربها، وخروج القوات الأجنبية و«المرتزقة» من البلاد، بالإضافة إلى التخلّص من عقدة الميليشيات العسكرية المتفاقمة منذ سقوط نظام الرئيس الراحل القذافي عام 2011.
وكانت حالة من التفاؤل سادت البلاد، عقب عقد القادة العسكريين اجتماعين تحت إشراف مجموعة العمل الأمنية في مدينتي طرابلس وبنغازي على الترتيب، حيث جرى حينها بحث تشكيل قوة مشتركة في جنوب البلاد، في بادرة «حُسن نية» وصفت بأنها «غير مسبوقة» منذ عقد من الانقسام، لكن هذه الآمال توقفت عند «محطة باريس»، بعد أن التأم آخر اجتماع للجنة في 19 يوليو الماضي، وتمحور النقاش فيه حول «المؤسسة العسكرية، وإرساء الاستقرار في البلاد»، وفق بيان صادر عن الخارجية الفرنسية وقتذاك.
ويستبعد الخبير العسكري محمد الترهوني وجود «خلاف بين أعضاء اللجنة من الجانبين، أدى إلى بطء عملها»، ويشير في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن لجنة «5 + 5» بذلت جهوداً «أفضت إلى فتح الطريق الساحلية، وإطلاق سراح أسرى حرب العاصمة طرابلس»، لافتاً إلى «مساع أخرى بذلتها لإخراج المرتزقة السوريين».
ووفق تقدير الخبير العسكري الليبي، «هناك من يحاول بقوة، إنهاء وجود هذه اللجنة في المشهد الليبي، لأن مهامها الرئيسية إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية وتوحيد المؤسسة العسكرية، ولن تجد كل هذه البنود مكاناً على أرض الواقع إلا مع تنظيم الانتخابات، وهي مرحلة لا تريد جماعات الإسلام السياسي الوصول إليها»، وفق قوله.
قد يستمر غياب التفسيرات الرسمية القاطعة لهذا التوقف المفاجئ لمسار اللجنة العسكرية، لكن يبدو أن الطريق «باتت طويلة» وفق مراقبين، أمام تنفيذ الاتفاق المبدئي على توحيد الجيش، الذي تم في آخر اجتماع برئاسة رئيسي أركان الجيش في غربها محمد الحداد، وشرقها عبد الرزاق الناظوري.
وتواصلت «الشرق الأوسط» مع أحد أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة «5 + 5» عن المنطقة الغربية، للرد على ما يدور بشأن اللجنة، لكنه قال إنه «غير مخول بالرد».
وحيال الملفات المنوط باللجنة إنجازها، لم يبد عضو مجلس النواب الليبي أيمن سيف النصر، تفاؤلاً «بقدرة (5 + 5) على تحقيق تقدم على مسار عملها الأهم، وهو توحيد المؤسسة العسكرية»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «توحيد الجيش يتطلب قراراً سياسياً واضحاً من القيادات العسكرية، والتحدي الأهم هو التدخل الدولي المتغلغل في الشأن الليبي، إذ يؤثر اختلاف مصالح الدول المتدخلة على أي تقارب بين الأطراف المحلية».
ويرجع سيف النصر، توقف الحديث عن المسار الأمني والعسكري، إلى «استقرار الأوضاع الأمنية في ليبيا، رغم توترها أحياناً بين أطراف عسكرية داخلية، إلى جانب التقارب بين بعض القيادات العسكرية والأمنية في شرق البلاد وغربها، وكان بعضه برعاية دولية».
ويضيف «ينصبّ الاهتمام على الانتخابات بشكل عام والقوانين اللازمة لذلك بسبب الضغط الشعبي مع الأحداث التي تتعرض لها البلاد، ومن بينها تداعيات العاصفة المتوسطية دانيال»، التي رأى أنها أظهرت «فشل السلطات في الاستعداد لها وإدارتها، ما أدى إلى خسارة فادحة في الأرواح والممتلكات، وأفقد الثقة تماماً في كل أشكال السلطة».
وعقب الفيضانات المدمرة التي اجتاحت مدينة درنة (شمال شرق) في سبتمبر (أيلول) الماضي، نظّم مواطنون بالمدينة مظاهرة مطالبين بمحاسبة السلطات. ومع تزايد الاتهامات بالإهمال والفساد، قرّرت النيابة العامة الليبية حبس 16 مسؤولاً احتياطياً في إطار تحقيقاتها بشأن انهيار سدي درنة.
ورغم أن أعضاء لجنة «5 + 5» عسكريون وينتمون إلى شرق وغرب البلاد، فإن عضو المجلس الأعلى للدولة سعد بن شرادة يقول إن «اللجنة لا تملك سلطاناً على التشكيلات المسلحة»، موضحاً أنها «أذرع لدول تتنافس وتتصارع على الملف الليبي، وليست ملكية خاصة لأبناء هذا الوطن».
ويستبعد شرادة «توحيد المؤسسة العسكرية في الوقت الحالي»، مفسراً تغليب المسار السياسي إلى رؤية البعض بـ«أن وجود رئيس دولة منتخب شرعيته مستمدة من الشعب قد يحقق ذلك شيئاً إيجابياً على مسار توحيد المؤسسة العسكرية بصفة ذلك القائد الأعلى، ومن ثم كان إصدار القانونيْن الانتخابيين».
ووفق تقرير خبراء أمميين صادر في سبتمبر الماضي، فقد زادت التشكيلات المسلحة في ليبيا قدرتها على خلق مناطق حصانة لـ«أنشطتها الإجرامية»، والتأثير على السياسة الوطنية، وجوانب مختلفة من الحياة الاجتماعية والاقتصادية في ليبيا، مشيراً إلى «تدهور الوضع الأمني، حيث لا تزال المنطقة تتأثر سلباً بوجود مقاتلين من تشاد والسودان وسوريا، إضافة إلى الشركات العسكرية الأجنبية الخاصة».
أما المحلل السياسي السنوسي إسماعيل، فيرى معايير حاكمة لفاعلية دور اللجنة العسكرية المشتركة «5 + 5»، ويقول: «ترتبط فاعليتها محلياً بين الشد والجذب بتزايد تقارب الأطراف السياسية الليبية، أو بنشوب أزمات مفاجئة غالباً تعمق انحسار المسارعة بخطوات توحيد هياكل المؤسسة العسكرية، وتحريرها من ربقة نفوذ القوات الأجنبية الرابضة في أغلب قواعد الجيش الليبي الجوية شرقاً وغرباً».
ومع ما يعده المحلل الليبي «تقدماً في العملية السياسية بعد إصدار القوانين الانتخابية»، إلا أنه يرى «حاجة ملحة للدفع في اتجاه الإسراع من وتيرة عمل اللجنة العسكرية المشتركة لتأسيس عمل مشترك ومنظم لحماية صناديق الانتخابات، والتنسيق مع الحكومة الجديدة المزمع تشكيلها للإشراف على العملية الانتخابية، ودعم المفوضية العليا للانتخابات لأداء دورها المنوط بها في ظروف ملائمة».
ومنذ بدء اجتماعاتها في فبراير (شباط) عام 2020 عقدت اللجنة اجتماعات برعاية أممية في سرت، حيث مقرها الرئيسي، بجانب مدينتي بنغازي وطرابلس، كما أجرت جولات تفاوض في القاهرة وجنيف وباريس.
وكان أبرز ما حققته اللجنة العسكرية هو إعادة فتح الطريق الساحلية الرابطة بين شرق وغرب ليبيا في يوليو 2021، بعد أكثر من عامين على إغلاقه، كذلك مع بدء عمل فريق «المراقبين المحليين» لوقف إطلاق النار، بيد أن المفاوضين العسكريين اتفقوا في اجتماعاتهم السابقة على «خطة لإنهاء الوجود العسكري الأجنبي، وإعادة توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية»، وكذلك تشكيل «قوة عسكرية مشتركة» لحماية الحدود في الجنوب الليبي، لكنها لم تر ظلا على الأرض حتى اللحظة، وهو ما لم تظهر معالمه حتى الآن.