فيروس (MZIWDAHAMRA ) ..!

[ad_1]

 

عبد اللطيف مجدوب

أقصوصة تستمد أحداثها الواقعية من أوساط شاب مهووس بالإبحار عبر الشبكة العنكبوتية وطرق مواقع ساخنة ، وأحيانا ذات خطورة جد عالية ، تفضي به أنامله النحيفة حينا إلى دنوه من أسرار أو بالأحرى أزرار جهنمية في ملكية دولة نووية عظمى!

بداية البحّار الأزرق

كان مشاكسا متنمرا ، دوماً في عراك مع أبناء حارته ؛ تذوق شراب الدخان منذ وقت مبكر ، كما تعرض للطرد المدرسي وهو ما يزال إبن عشر سنوات ، لضبطه أكثر من مرة يفسخ المواسير أو يعطل التيارات الكهربائية داخل الحجرات الدراسية.
تعاطى ؛ في البداية ؛ إلى افتراش الأرض وبيع قطع غيار الأدوات الكهربائية ، ثم انقلب عنها إلى عمليات إعادة ضبط الأجهزة (flashing ) الخاصة بالهواتف والحواسيب ، بإحدى الجوطيات (الأسواق الشعبية) التي تضيق بها مدينة الدار البيضاء.. كان لا يعرف للكلل معنى ، فيظل سحابة يومه عاكفا على فحص هواتف وحواسيب قديمة تؤثث جنبات عشّته ؛ زاده قهوة سادة وعلبة سجائر ماركيز ، كلما فرغ من “إصلاح” قطعة مالَ إلى سيجارة ليعبئ منها نفسا عميقا قبل أن يُردفه برشفة قهوة باردة.
تواضَع معلمي (الجوطية) على مناداته ب”البحَر” ، فإذا فشل أحدهم في الاهتداء إلى فك رمز هاتف أو حاسوب ، أوصى صاحبه بعرضه على “البحر” ، فطبقت شهرته أوساطا امتدت إلى خارج الجوطية ، وأصبح بعد حين مختصا في بيع عروض القنوات الفضائية المشفرة ، وبأثمنة زهيدة ؛ يرفعها أحياناً إلى مائة درهم ، كلما كانت هناك تظاهرة رياضية دولية ، من عيار كأس العالم.

العثور على “كنز”

دأب “البحر” كعادته على استقبال كميات كبيرة من الأجهزة الإلكترونية المستعملة ؛ يحرص أصحابها على تصفيتها من فيروسات ؛ ياما أقلقت راحتهم وعطلت تواصلهم ، وذات يوم ، عند منتصف النهار ؛ توقفت سيارة “هوندا” محملة “بخردة إلكترونية” ، تختلط فيها أجهزة عتيقة بقطع غيار ورُزم من أشرطة الربط والاتصال ، فحفّت بها جوقة من الفضوليين ؛ يعاينون ويستفسرون ويتغامزون ويلغطون… فطار صداها إلى مسامع “البحر” ، فنهض من فوره وقصد “الهوندا” ، وألقى بنظراته الثاقبة على قطع الخردة ، فلاحظ ؛ من بينها ؛ وجود حاسوب ، عزَفت الأيدي عن ملامسته ، إما لقدمه أو أعطاب ما تعاني منه أحشاؤه ، أخذه وجعل يقلبه بين يديه ، متأملا لوحة مفاتيحه والتي بدت له مغايرة عن كل الأصناف التي سبق له أن تعامل معها.. فنادى صاحب الخردة ، والذي بدا من سحنته من الذين يتصيدون “الفضلات الإلكترونية” متنقلا بين البلدان والأسواق:
• البحَر ” … شوفْ آلخاوا… واشْ هدا البيسي خدّام..؟ ”
• صاحب الخردة “ماعرفْش.. واش خدام ولّا لا.. أنا كنبيع ”
• البحر ” وخّا نجربوه..؟”
• ص.خ ” لا سيدي..دبّر راسك عندك 200 درهم … بسم الله..ماعندكش حطّو .. راني باغي نتفك ونمشي بحالي..”
• البحر “هاكْ ..ردلي 50 درهم.. نجرّب زهري منّا لبْحر..!”
• ص.خ “.. والله مانزولو ليك… بلّاتي.. بلّاتي نجيبلك لبوشيتا اديالو ” .
زاد اهتمامه به ، وهو يحاول فك رموز كتابات دقيقة ؛ بدت باللون الأصفر على حقيبته ، لم ينمْ تلك الليلة ، أخذه إلى جانب سريره وأعد ورقة ؛ شرع يدون عليها خيارات كل مفتاح من مفاتيح أزراره ، والشركة الروسية التي أنتجته وموقعها…
ظل ليومين كاملين في بيته عاكفا ، لا شغل له سوى مزيد من النبش في أوصال هذا الحاسوب الروسي ، وفي لحظة ما تهللت أسارير وجهه ، وعمد إلى سيجارة ، منتشيا ، وكأنه اهتدى إلى فك لغز ما.. فقد تمكن من الوصول إلى خطاطته (Schima ) ، ومن ثمة الوقوف على مفتاح “القن” (code ) ، فكّ شيفرته التي وجدها تتركب من 31 وحدة رمزية ؛ بين أرقام وحروف وترقيمات ، إلا أن الولوج إلى شبكته العنكبوتية وجده عصيّا ؛ لا يقبل بالشبكات الوطنية National Network .

طمس الهوية

لم يدُرْ في خلده قط الاستعانة بأحد في فك لغز شبكته العنكبوتية ، فقد ظل سرا حبيس صدره مخافة انكشاف موقعه ، بيد أن فضوله قاده أخيراً إلى ملفات معلوماتية ضخمة ؛ على جانب كبير من السرية والخطورة ، ولم يمض على تحيينها أكثر من ثلاثة أشهر.
سأل ؛ في البداية ؛ عن صاحب الخردة.. فأرشدوه إلى أحد زبنائه ، فربط به الاتصال ، وجرى استجوابه :
• البحر ” ..أخاي… لاباس عليك… أنا مول البيسي لصفر..”
• ص.خ “.. ياكْ لاباس… واش اخدمليك..”
• البحر مقاطعا” ..غير اسمحلي.. واش شريتيه فالبالي… ولّا ”
• ص.خ مقاطعا”..مشريتوش… اجْبرتو فالقمامة.. اديال واحد الروسي… فبلجيكا ، ديما الڤيلا اديالو عامرا بالسيارات لبلايك صوفر…”
• البحر” وما زال كيخرّج القمامة ؟..”
• ص.خ “..لا.. الفيلا مسدودة.. هدي شي 3 اشهور ..”
• البحر ملحا”.. مسدودة…ربما امْسافر ..”
• ص.خ “يمكن… ولكن الفيلا مسدودة بالشمع الأحمر..!” .
أغلقه وأعاده إلى الحقيبة ، ناويا أن يرفع عنه يده إلى حين ، بيد أن تشغيله عبر الشبكة المحلية ظل هاجسا ، لازمه أنى راح وارتحل ، وقد عنّت له فكرة تشغيله بقمره الصناعي سبوتنيك Sputnik لكنه عدل عنها مخافة الكشف عن موقعه وتعرضه للتصفية بعد أن تأكد له أن الحاسوب ينتمي إلى المخابرات الروسية GRU ، وهو الرمز الذي يسم كل ملفاته ، تردد كثيرا في عرضه عن سفارة أو قنصلية روسية ؛ في هذا البلد أو ذاك ؛ مقابل عمولة تخلصه من براثن الفقر.. لكن قرّ رأيه على ألا يفعل.

الخطر الداهم

في جوف الليل ؛ بينما كانت أنامله تتراقص على أزراره ؛ إذا به يقف على ملف أحمر مؤشر بعلامة ( Top secret) داخل جمجمة عظمية (💀 ) ، فأدرك لتوه أنه بصدد سر عظيم ، حاول فتحه بطرق آمنة لكيلا يضيع منه ، فقد كان يعلم مسبقا أن ملفات ؛ بهذا الحجم من الخطورة ؛ تمتلك حساسية مندمجة ؛ كلما كانت هناك محاولة فاشلة لفك شفرته تحوّل آليا إلى صفحة بيضاء!
أخيراً ، ساعفه الحظ لفك مفتاحه ، ولكم كانت دهشته وهو يقف على أخطر فيروسات ؛ كانت الاستخبارات الروسية تستخدمها لتعطيل أو التشويش على أحد أقسام البنتاغون Pontagon ، فيروسات بأسماء روسية ذات قدرة هائلة على تدمير المعطيات Data مهما كانت أحجامها.
عاودته الفكرة القديمة بعرض الحاسوب ؛ بهذه الحمولة الإستخباراتية ؛ على السفارة الأمريكية ، أو الاتصال في شأنه مباشرة بالبونتاغون.. لكن صادف أن كان ذات يوم عابرا بأحد الشوارع فهاله توقف المارة وتتبعهم لصور على الشاشة ؛ كانت لمقتل الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة ، وتعرض موكبها الجنائزي للضرب والتنكيل وعربدة القوات الإسرائيلية.. حينها انطفأت الفكرة في دماغه وتحولت إلى جمرة خبيثة .
مضى زمن ، ليس باليسير ، انقطعت فيه أخباره عن الجوطية ، وتساءل الزبناء عما سيكون قد لحق ب (البحر) وراء هذا الغياب ، وخلف تجاهله للاتصالات التي كانت تنهال عليه صباح مساء… وحتى يضع حدا لكل الشائعات المغرضة ، تفاجأ رواد الجوطية ذات صباح بوجود (البحر) داخل محله عاكفا كعادته على الشرائح والمعدات الإلكترونية … فكان يرد على كل من ألح عليه في سؤال غيبته بأن:
• ” الله ينجيكم… واحد لمزيودا حمرا.. هي اللي خلتني فالفراش هدا المدة كلها..”
فيتلقى الردود بالتوالي:
• “ لا.. لا.. باينا عليك.. ضعافيتي بزاف.. آش بينك وبين شي حرور..”
• “ يالاطيف… أنا اللي عارف الحرور.. واشْ بعدا عندك الصحة ادْيالو ..؟! ”

فيروس LAMZIWDAHAMRA

 

عند مطلع الفجر من أحد أيام دجنبر الباردة ؛ قرر الشروع في تنفيذ فكرته الرهيبة ، فبعد أن نجح في فك ارتباط الحاسوب بالقمر الروسي سبوتنيك وتحويله إلى الشبكات الوطنية ؛ صار في مقدوره ؛ وتبعا للمواقع السرية الإستخباراتية التي يحتفظ بها الحاسوب ؛ أن يتجول بأنامله ونظراته داخل مقرات عديدة ، أغلبها مرتبطة بوزارة الدفاع الأمريكي…

في دهاليز البنتاغون

علَتْ جلبة وفوضى داخل إحدى الردهات بقسم التجسس العالمي ، وراحت مؤشرات شاشاتها تترنح بين ألوان حمراء وصفراء.. أعقبتها صفارات إنذار ؛ دوّت في كل الأركان ، استنفرت مجموعة من الخبراء والتقنيين ، لزموا مقاعدهم ، وهم يتابعون ؛ بذهول واندهاش ؛ زحف جسم غريب في شكل حبة فلفل حمراء تترنح في مسارات أعمدة الأقسام… حاولوا سدى تبيانه وتطويق حركته ، فوجدوه أشبه بالزئبق غير قابل للإمساك به!
اجتمعت على عجل خلية أزمة طارئة ضمت إليه خبراء في الاستخبارات المركزية CIA . كان مبنى البنتاغون برمته يعيش حالة طوارئ قصوى ؛ كل الخبراء يبحثون عن فيروس مقاوم ، كانوا يخشون من التخريب الكلي الذي قد يتسبب فيه هذه (الفلفلة) ، لكن ؛ وفي زمن قياسي ؛ اهتدوا إلى اسمه MZIWDAHAMRA)) وراحوا يبحثون عن مصدره ، فلاحت لهم نقطة حمراء في حجم حبة عدس… تومض وتومض بأقصى جهة شمال افريقيا… وبعد ربطهم الاتصال بقمر صناعي خاص ، تأكد لديهم أن الهدف قار ليس به حركة…

يسدل الستار على

يسدل ستار الأقصوصة على وجومٍ ؛ يسود وجوه أرباب الجوطية ، حينما علموا بغياب (البحر) ؛ استمر أكثر من شهر.. رغم محاولاتهم للعثور له على أثر ، وأخذت الحوقلة تتناقل على ألسنتهم ، وأحيانا يردفونها بعبارات :
• “ وقيلا… الحرور العبْ به..”
• “يمكن …يكونْ ارجع لذيك المسخوطا اديال الفلفلة… ولعْبت به”
• “ ..المحل اديالو مشدود… واشْ غايكون حتى صاحبو..مشدود..؟! ”

 

[ad_2]

مطاعم ومطابخ الطويل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى