من السجن إلى الرئاسة.. حكاية خليفة عثماني تحدى الظروف والمؤامرات #الدستور
[ad_1]
من السجن إلى الرئاسة.. حكاية خليفة عثماني تحدى الظروف والمؤامرات
كان عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، المعروف بالخليفة عبد الله المستعين، أحد أبرز شخصيات التاريخ الإسلامي في العصر العباسي. ولد في بغداد عام 812م، وتربى في ظل الخلافة العثمانية التي كان جده عبد العزيز بن عثمان بن عفان أحد مؤسسيها. ولم يكن يحلم بأن يصبح خليفة يوما، فكان يعيش حياة هادئة ومتواضعة، مكتفيا بالعلم والعبادة.
لكن الأقدار كانت تخبئ له مفاجآت عديدة، فقد انقلبت حياته رأسا على عقب عندما اغتيل خاله المأمون الخليفة العباسي عام 833م، وخلفه أخوه المعتصم، الذي اتهم عبد الله المستعين بالتآمر عليه، وأمر بسجنه في قلعة الحديثة بالعراق. وظل عبد الله المستعين محبوسا لمدة 15 عاما، تعرض خلالها للتعذيب والإهانة والحرمان من أبسط حقوقه. ولم يكن يعلم أن هذه السنوات العصيبة ستكون مدرسة له في الصبر والحكمة والشجاعة.
ففي عام 849م، توفي المعتصم، وخلفه ابنه المنتصر، الذي أطلق سراح عبد الله المستعين، وأعاده إلى بغداد، وأعطاه منصبا في الديوان. ولكن عبد الله المستعين لم يستمتع بحريته طويلا، فقد اندلعت حرب أهلية بين المنتصر وأخيه المهتدي، الذي كان يطمع في الخلافة. وانضم عبد الله المستعين إلى جيش المنتصر، وشارك في معارك عدة، وأظهر براعة وشجاعة في القتال. ولكن المنتصر خانه، وأرسله إلى سجن آخر في سامراء، خوفا من أن يصبح منافسا له.
وفي سجنه الجديد، تلقى عبد الله المستعين خبرا صادما، وهو مقتل المنتصر على يد أحد الخصوم، وتولي ابنه المعتز الخلافة. وكان المعتز ضعيف الشخصية وسيئ السمعة، ولم يحظ بقبول الناس ولا الجيش. وبدأت تظهر عليه علامات الجنون والاستبداد، فقتل وعذب ونهب وأهدر المال العام. وسرعان ما انتشرت الفوضى والفساد في الدولة، وتمردت المحافظات والولايات على الخلافة، وتهددت الدول المجاورة بالغزو والاحتلال.
وفي هذه الأوضاع المأساوية، نظر الناس إلى عبد الله المستعين بأمل واحترام، فكانوا يرون فيه الخليفة الشرعي والقائد الحكيم والمظلوم الصابر. وبدأوا يتواصلون معه سرا، ويطلبون منه أن يقوم بثورة لاستعادة الخلافة وإنقاذ الأمة. ولم يكن عبد الله المستعين بمنأى عن ما يجري في البلاد، فكان يتلقى الأخبار والرسائل من أصدقائه وأنصاره، ويتابع التطورات بقلق وحزن. وكان يدرك أن المعتز لا يستحق الخلافة، وأن الدولة العباسية في خطر شديد، وأن الناس في حاجة إلى قيادة عادلة ورشيدة.
ولكن عبد الله المستعين لم يكن يريد الدخول في صراع دموي مع أبناء عمومته، ولم يكن يثق في الأتراك الذين كانوا يسيطرون على الجيش والسلطة. وكان يخشى أن تكون ثورته مجرد محاولة يائسة وعبثية، تزيد من القتل والدمار، وتفتح الباب أمام الأعداء الخارجيين. ولذلك، كان يتحفظ عن الرد على دعوات الناس، ويتظاهر بالرضا بحاله، ويتوكل على الله في مصيره.
وفي الوقت الذي كان عبد الله المستعين يتردد في قراره، كان المعتز يترصد فرصة للتخلص منه نهائيا. فقد علم المعتز بوجود تواصل بين عبد الله المستعين وبعض الأمراء والعلماء والجنرالات، وأنهم يخططون لانتفاضة على حكمه. ولم يكن المعتز مستعدا لمواجهة هذا التحدي، فكان يعلم أن شعبيته ضعيفة، وأن جيشه متشتت، وأن خزينته فارغة. ولذلك، قرر المعتز أن يسبق الأحداث، ويقضي على عبد الله المستعين قبل أن ينفذ مخططه.
وفي عام 850م، أرسل المعتز رسالة إلى عبد الله المستعين، يدعوه فيها إلى الصلح والمصالحة، ويعرض عليه العفو والعودة إلى بغداد، والمشاركة في الحكم. وكانت هذه الرسالة مجرد خدعة، فكان المعتز ينوي أن يقبض على عبد الله المستعين فور وصوله، ويعدمه بتهمة الخيانة. ولكن عبد الله المستعين لم ينخدع بكلام المعتز، فكان يعرف طبيعته ونواياه، ولم يرد على رسالته. وبذلك، أحبط عبد الله المستعين محاولة المعتز الأولى للتخلص منه.
ولكن المعتز لم يستسلم، فقد أرسل إلى عبد الله المستعين سفيرا آخر، يحمل معه هدايا ووعود، ويصطحب معه جنودا متخفيين. وكان السفير يأمل أن يتمكن من إغراء عبد الله المستعين بالمال والمناصب، أو أن يقتله بالمكر والدهاء. ولكن عبد الله المستعين كان أذكى من ذلك، فلم يقبل الهدايا، ولم يصدق الوعود، ولم يسمح للجنود بالاقتراب منه. وبذلك، أفشل عبد الله المستعين محاولة المعتز الثانية للتخلص منه.
وبعد هذين الفشلين، انتاب المعتز الغضب واليأس، فقرر أن يلجأ إلى القوة والعنف. فأرسل جيشا كبيرا إلى سامراء، بقيادة أحد أقربائه، يأمره بمهاجمة قلعة الحديثة، واقتحام سجن عبد الله المستعين، وقتله بلا رحمة. وكان هذا الجيش مجهزا بأسلحة ومدافع ومتفجرات، وكان عزمه على تنفيذ أمر المعتز.
ولكن عبد الله المستعين لم يكن وحيدا، فكان له أصدقاء وأنصار في سامراء، كانوا يحرسونه ويدافعون عنه. وعندما علموا بقدوم الجيش، أعدوا له استقبالا حارا. فخرجوا إلى الميدان، وواجهوا الجيش بالسيوف والرماح والأحجار. واندلعت معركة شرسة بين الطرفين، استمرت لعدة أيام. وكان القتال عنيفا ومتقلبا، فتارة يتقدم الجيش، وتارة يتراجع. وكان عبد الله المستعين يشاهد المعركة من نافذة سجنه، ويدعو الله أن ينصر أصدقاءه ويهزم أعداءه.
وفي اليوم الرابع من المعركة، حدثت المفاجأة. فقد تلقى الجيش خبرا مروعا، وهو مقتل المعتز في بغداد، على يد أحد الأمراء الذين انقلبوا عليه. وكان هذا الخبر صادم.