فرصة تاريخية أخرى أمام نتنياهو
[ad_1]
معظم القادة الإسرائيليين كانوا نائمين، عندما بثت قناة «فوكس نيوز» اللقاء مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في الواحدة بعد منتصف الليل (بالتوقيت المحلي). وعندما أفاقوا، كان بينهم من أفاق على فجر جديد مشرق، وكان بينهم من تمنى لو طالت نومته. فالحديث العلني الأول عن التطبيع مع إسرائيل، في هذه الحقبة من الزمن، تضمن شرطاً للدفع بالقضية الفلسطينية إلى اتجاه جديد ينهي الصراع ويحقق السلام… وجاء ليحدث زلزالاً سياسياً في تل أبيب، لن يكون هناك مفر من التعاطي معه بطريقة جديدة، هي النقيض التام لسياسة اليمين المتطرف الحاكم.
في ظروف طبيعية، وبوجود مسؤولين يتمتعون بروحية القيادة الشجاعة، لكان رئيس الوزراء الإسرائيلي يتلقف هذه المبادرة كأنها كنز يقدمه أفضل هدية لشعبه، لمناسبة الاحتفال بمرور 75 سنة على قيام إسرائيل، لأنها ترمي إلى وضع حد للصراع الدامي، وفتح آفاق للأجيال القادمة. فقد أضاع قادة إسرائيل السابقون، وبينهم نتنياهو، الفرصة التاريخية التي وفرتها المبادرة السعودية للسلام سنة 2002، التي أصبحت مبادرة لجميع الدول العربية، ثم حظيت بتأييد الدول الإسلامية… منذ ذلك الحين قتل حوالي 700 إسرائيلي وحوالي 2700 فلسطيني… وإضاعة الفرصة مرة أخرى، ستعني التفريط في أرواح عدد أكبر من البشر، فضلاً عن آلاف الجرحى والمعوقين والخسائر المادية وتبعاتها المدمرة.
ولي العهد تكلم عن عصر جديد، وبلغة العصر الجديد، الذي رفع فيه راية الانفراج. وبدا أن حديثه عن التطبيع مع إسرائيل يندرج في إطار هذا الانفراج، الذي يشمل إيران وسوريا واليمن ويفتح الباب لرفع مستوى العلاقات مع الصين وروسيا، والحفاظ على العلاقات التاريخية مع الولايات المتحدة وبقية دول الغرب.
ورغم تحذيرات واعتراضات اليسار الأميركي والإسرائيلي، اختار ولي العهد رمي الكرة في الملعب الإسرائيلي، في عهد غلاة اليمين المتشدد. وقال، إنه لا يهمه من يدير الحكم في إسرائيل فهذا شأن داخلي لها. ولكن محاولة طرح مبادرة سلام على حكومة اليمين بالذات، هي ضربة معلم. فالتاريخ الإسرائيلي دلّ على أن اليمين كان أقدر من اليسار والليبراليين على اتخاذ قرار يتجاوب مع مبادرات السلام. ففي حين رفضت قيادة حزب العمل برئاسة غولدا مائير مبادرة السلام التي طرحها الرئيس المصري (الراحل) أنور السادات، وافق مناحم بيغن، أول رئيس حكومة يميني، على مبادرة السادات الثانية، وانسحب من الأراضي المصرية المحتلة حتى آخر شبر. ووافقت حكومته، لأول مرة في تاريخ إسرائيل، على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.
ومع أن الاتفاق في حينه تحدث عن حكم ذاتي يفاوض الفلسطينيون على حدوده مع إسرائيل، إلا أنه احتوى على إمكانية أن يكون بداية مهمة في ذلك الوقت. وإسحق رابين، الذي يعتبر على يمين حزب العمل، أبرم اتفاقيات أوسلو مع الفلسطينيين. وأرئيل شارون، مؤسس تحالف أحزاب اليمين في حزب واحد هو «ليكود»، انسحب من قطاع غزة وشمالي الضفة الغربية بشكل أحادي الجانب، وأخلي 8 آلاف مستوطن، وأزال 21 مستوطنة. وإيهود أولمرت، الذي نما وترعرع في «ليكود»، عرض خارطة لحل الدولتين تعتبر أقرب خطة لمطالب الفلسطينيين.
وعندما يوافق اليمين على أي مبادرة سلام، سيحظى بتأييد نحو 100 من مجموع 120 عضواً في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، بينما الوسط الليبرالي واليسار سيجندان نصف عدد النواب على الأكثر، في مقابل النصف الثاني… ومن اغتالوا رابين، وأرسلوا أولمرت إلى السجن، يمكن أن يغتالوا ويسجنوا آخرين.
نتنياهو بدأ طريقه السياسي على نمط هؤلاء نسبياً. فمع أنه عارض «أوسلو»، وقاد حملة مرعبة ضده وضد رابين، انتهت بالاغتيال، لكنه، عندما خاض المعركة الانتخابية سنة 1996، أعلن أنه لن يلغي الاتفاق. وعندما فاز بالحكم، نفذ انسحاباً من 85 في المائة من مدينة الخليل، و13 في المائة من الضفة الغربية.
اليوم يبدو مختلفاً، حيث أنه بات أسيراً بيد حلفائه المتطرفين، وأمامه قضية محرقة، هي الخلاص من محاكمة الفساد. وحلفاؤه لا يرحمونه، ويحاولون فرض عقيدتهم المتطرفة عليه. ولكنه أيضاً، ما زال نتنياهو، صاحب أكبر تجربة في قيادة الحكم في إسرائيل، وجمهوره واسع، والكثيرون منهم مستعدون للموت في سبيله. فلو قرر الآن التجاوب مع مبادرة تطبيع مع السعودية في مقابل انعطافة في القضية الفلسطينية، لحقق أكبر المكاسب على الصعيد الشخصي والحزبي. وقد يتحول، من رئيس حكومة يواجه أضخم حملة احتجاج، ويدير حكماً في ظل تدهور أمني وانفلات فوضوي، والدولة تدير ضده محاكمة بتهم الفساد، ويواجه إدارة أميركية تمتنع عن دعوته للقاء رئيسها طيلة تسعة أشهر… سيتحول إلى رئيس حكومة مختلف. ربما يستعيد قسماً كبيراً من شعبيته. ويعزز مكانته الدولية والإقليمية. وربما يساعده هذا أكثر، على التخلص من المحاكمة. ويوقف الاحتجاجات. وينخرط في الانفراج الإقليمي ويجدد آمال السلام.
كل ما يحتاجه، هو أن يتمتع بجرأة القائد السياسي الشعبي، وينسجم مع رياح التغيير، التي تهب من الصحراء العربية العصرية، ويضع يده بيد من يخطط لمشاريع تطوير نهضة عملاقة مثل 2030 و2050، وعقلية نيوم، ويتحرر من عقلية الاحتلال والتمسك بعقلية «إدارة الصراع» القديمة المهترئة والفاشلة.
قد يكون الأمر صعباً والطريق شائكاً، ولا توجد في الدنيا نجاحات في طريق مفروش بالورود. فنتنياهو يواجه معارضة كبيرة وشديدة وصلبة جداً؛ في المتراس المضاد له، تقف الدولة العميقة، التي تخشى على منظومة الحكم، وخرجت إلى الشوارع لتحطيم خطته، وربما حكومته برمتها، وفيها، الجيش وجهاز القضاء والأكاديمية، ومعاهد البحوث والمؤسسة الاقتصادية. لكن هؤلاء يحاربونه لأنه اختار خطة الانقلاب. ومن يقرأ بعمق الخريطة السياسية في إسرائيل، يدرك أن هذه الخطة أصلاً لن تستمر، بسبب هذه المعارضة. فإذا تراجع عنها يسترد تأييد قسم كبير من المعارضين. وسيستعيد حلفاء سابقين، ويضيف حلفاء جدداً. وسيحدث تغييراً في المعادلة السياسية بالكامل. وسيجد إلى جانبه الإدارة الأميركية ودول الغرب. وسيعيد الحرارة إلى «اتفاقيات إبراهيم» ويوسعها أكثر.
باختصار، ستصبح لديه كل الأسباب للإقدام وإحداث التغيير، لكن الأهم من ذلك: رفض هذه المبادرة، سيكلفه ثمناً باهظاً على جميع الصعد والمجالات. وسيجعله قائداً عاجزاً معزولاً، لا فائدة منه ولا رجاء.