ولجة العدوتين بين مجرى تيارين
[ad_1]
بقلم : محمد حسيكي
الولجة في العرف القروي، تعني مدخل الوادي، وهي حوض ضفة رطبة، من أرض منخفضة، دائمة الخضرة بالأعشاب الرعوية من حضن المجاري الموسمية، تعرف من لسان العموم باسم الولجة، وسبق أن أطلق عليها من عرب بني حسان اسم العدوة، وهي ضفة الوادي، الذي يفصل من المصب بين الجارتين مدينة الرباط، ومدينة سلا، ومن ضفتيهما على جانبي الوادي تعرف باسم، ولجة العدوتين، على مصب نهر أبي رقراق، الذي امتد في أوله من قنطرة مولاي الحسن، إلى رصيفي فوهة الحوض بالمصب .
العدوتين :
يطلق اسم العدوتين على ضفتي أبي رقراق الجنوبية والشمالية، ومن ثمة تنسب مدينة الرباط من عهد الموحدين، إلى الضفة الجنوبية الغربية لنهر أبي رقراق، بينما تنسب مدينة سلا من الضفة الشمالية الغربية لنهر أبي رقراق إلى المرنيين، وهم الجيل الثاني من الموحدين، الذين جمعتهم علاقات تاريخية مع الدولة العثمانية .
وهكذا حين تقدم الموحدون من مراكش، استقروا من الضفة الجنوبية بالرباط، وحين تقدم المرينيون من فاس استقروا بالضفة الشمالية من مدينة سلا، والتي اشتهر أهلها بالملاحة البحرية، وسفريات الحج عن طريق البحر من عهد أبي عنان المريني، رغم مضايقة القراصنة الأوربيين للمراكب البحرية المرينية .
وقد وضع أبي عنان المريني من طريق الحج، بمساعدة المشارقة، حدا للخلافات البحرية من البحر الأبيض المتوسط، مع كنيسة روما .
مصب نهر أبي رقراق :
هو نهر الهضبة الوسطى من الأطلس المتوسط، يصب في المحيط الأطلسي بين مدينتي الرباط وسلا، واشتهر انحدار مجراه من الهضاب وبين الشعاب نحو المصب، من ربوتين متقابلتين ومطلات بمدينتين عامرتين، على جانبي الولجة ذات العدوتين، والتي يرسم الوادي أخدود تعاريجه، من مدارها المنخفض أسفل الربوتين .
على عهد المرينيين كانت مراكبهم، تدخل البر من البحر عبر مصب الوادي، نحو رصيف حاضرة شالة الاسلامية، المطلة على مجرى الوادي، والتي تحتوي مدافن أمراء مرنيين .
ومن عهد الموحدين، كانت مراكبهم البحرية، تدخل البر عبر المصب نحو قصبة الأوداية المطلة على المحيط الأطلسي .
ومما اشتهر به نهر أبي رقراق، إلى جانب الملاحة الشاطئية، تكون الولجة، من حمولة البر الموسمية، التي تنحصر من ارتفاع المد البحري على ضفتي الوادي، المنعكسة من بوابة المصب، الذي يحول دون استيعاب التدفقات المائية المطرية من عرض البحر، مما يؤدي إلى اتساع دائرة مساحتها المائية، التي تغني المنخفض بالأعشاب الرعوية وتحول ساحته إلى مرتع خصب للحيوانات العاشبة، إذ حين الجزر وتدفق الصبيب بالبحر، تتحول يابسة الولجة إلى مساحة رعوية رطبة ، حيث تخيم إلى حين مياه النهر من عرض الشاطئ، المتسربة من مياه الفصل الفضائي المنحصرة على ضفتي النهر، مما يجعل الولجة دائمة الخضرة على الضفتين .
دور سدي المصب في تراجع المد :
يرجع بناء رصيف سدي مصب نهر أبي رقراق، من جهة مدينة سلا، وكذا من جهة مدينة الرباط، إلى عهد الحماية، ليس لحماية الولجة وتحويلها نحو الزراعة، بل لإقامة بوابة مرسى نهري بالضفة الجنوبية للوادي، للنقل البحري المدعوم بالقوارب النهرية، إلى جانب قوارب الصيد الساحلي، ومراكب العبور بين ضفتي المدينتين .
وقد أدت إقامة السدين إلى فصل المصب عن عرض البحر، ومنهما تراجعت تدفقات المد البحري نحو عرض مصب الوادي، إذ شكل الرصيفين الصخريين عارضا لتمدد الأمواج نحو ضفة الوادي، كما خففت اقامتهما من تأزم حال ساكنة الربوة الجنوبية المطلة على الوادي، وأنهوا حالة الوحل والموالح من ضفتي الولجة، التي أضحت مساحة كبيرة منها محمية من تراجع تدفقات مياه المد، المتحركة من المصب، والذي يقف سدا منيعا في مجرى المصب من فترة الحمولة الموسمية، التي حولت المنطقة من رعوية، إلى أراضي زراعية، كما أن المد الذي كان يضرب بموجاته سافلة حي القناصل، تراجع إلى المصب الذي تحول إلى فضاء للاصطياف الحضري على جهتي العدوتين، وأصبحت المنطقة بين مرسى الرسو النهري، تحت حي القناصل، منطقة برية بين ربوة حسان، وربوة الأودية، منعدمة من المد البحري، إلا من آثاره على عمق سافلة الربوة، التي تلقي بواجهتها نحو منخفض المصب .
وهكذا نرى أن تحول منطقة مصب نهر أبي رقراق من مهده الطبيعي، إلى فضاء بحري للاصطياف، ومن ورائه مساحة ولجة الوادي الزراعية، ثم إلى فضاء ترفيهي وعمراني، كان فيه لتشييد الرصيفين الأثر الإيجابي على إصلاح المصب والولجة وحماية البنيان الحضري، القائم على الضفة من وجهتيها، التي رفع عنها شبح المد البحري وتعارضه مع تدفقات سيولة مياه البر على المصب، وقت الفصول الممطرة وذات الحمولة الموسمية، التي تصطدم بالانحسار المائي للمصب من ارتفاع المد البحري .
ويجدر من وقت مضى تمدد الطبيعة البحرية، على المصب والجوار البري، أن يكون الموقع حقلا للاهتمام العلمي، بالدراسة الميدانية من محاضري وطلاب الجامعة، والعاملين بالمجال الحضري والبيئي من الشواطئ البحرية، وكيف حول التطور الحضري منطقة مغمورة بتيار بحري وآخر بري ، من مستنقع الموالح، إلى منطقة رعوية، ثم زراعية، فإلى فضاء ترفيهي وحضري، يحميه سد سيدي محمد بن عبد الله من الوجهة البرية، وأرصفة سدي المصب، من جهتي الرباط وسلا، ومن الورشين رفع عن الولجة سيول الشعاب وعتو الأمواج .
وجهة رؤية وسماع :
مما سبق عرضه كان من وقفة تأملية في جولة سياحية بمدينة الرباط، وليس من جولة دراسية بحثة، أما ما سمعت كان عن الطفرة التكنولوجية المستقبلية، من الاشتغال بأنظمة الذكاء الاصطناعي، الذي قد نتحول منه إلى مستخدمين وقراء، لا حاجة منا للكتابة .
وهذا يعني، أننا إن كان تعلم اللغة، عن طريق القراءة والكتابة، والتعبير اللغوي السليم، قد تجعل منا كتابا وقراء، فإن العمل بأنظمة الذكاء الاصطناعي، إن جعلنا منه عقلا، قد يجعل منا قراء، ومتابعين لمعطيات، وكأن خدماته، خدمة حيث وقف العقل البشري، على مايستمد منه القول : اخدم انت ! حيث انتهى بي العمل.