ثمن الانتقام … كيف ستدمر الحرب مستقبل لبنان

[ad_1]

 

بعد مضي عدة أيام على بدء الصراع في قطاع غزة، كانت الصورة واضحة بخصوص التدخل الإيراني في المنطقة من العراق إلى سوريا ولبنان، والآن اليمن. ويأتي هذا التدخل في ضوء الاستمرار في الاشتباكات بين حزب الله والجيش الإسرائيلي على الحدود منذ الثامن من أكتوبر الماضي
لم تؤثر هذه المواجهات على مقر العمليات في قطاع غزة على النقيض من الأهداف التي وضعها الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله. ولم تكن لها تأثير كافٍ على الجيش الاسرائيلي إلى حد يمكننا القول بأن قدرته في الجبهة الجنوبية قد تآكلت نتيجة للتحدي الذي تواجهه في الجبهة الشمالية مع لبنان
استطاع “حزب الله” في تكوين تحالف وأشعل سلسلة من التصعيدات التي تأثرت بها حياة المواطنين في الجنوب اللبناني. نتج عن ذلك نزوح حوالي مئة ألف شخص من القرى القريبة من الحدود مع إسرائيل. في المقابل، أدى الأوضاع الى نزوح عدد مشابه أو أكبر بقليل من السكان في الشمال الإسرائيلي
ومع ذلك، تعالت الأصوات في إسرائيل بين سكان الشمال المطالبة بضرورة أن تقوم الحكومة باتخاذ إجراءات لإنهاء المعاناة التي يعانون منها، بينما لم يتم سماع أصوات النازحين من الجنوب اللبناني على الرغم من الصعوبات اليومية التي يواجهونها والتي يعيشها اللاجئون الذين لم يغادروا القرى الحدودية
قد يعود ذلك ربما إلى وجود دولة يعود إليها المواطن الإسرائيلي للتظاهر والمطالبة بحقوقه وتحميلها المسؤولية عن أي تقصير، في حين تكاد الدولة اللبنانية تكاد تختفي أمام الواقع الذي يشكله “حزب الله” الذي يسيطر ليس فقط على الجنوب اللبناني، بل أيضًا على القرار السيادي اللبناني في الحرب والسلم، وبالتالي لا يجد المواطن اللبناني العادي أي جهة رسمية يشكو إليها
المتبقي هو منظمة مسلحة تستخدم التأثير النفسي، والمعتقدات الأيديولوجية، وفي بعض الأحيان العنف الجسدي لكي تخمد أصوات الناس الذين يعترضون أو يشكون من تحويل جزء من لبنان ليصبح مجرد صندوق بريد إقليمي لا يعنى بالطرف اللبناني على الإطلاق
القرار الدولي 1701 للعام 2006 يطلب بوضوح إنشاء منطقة عازلة في الجنوب اللبناني بين الحدود مع إسرائيل وبنهر الليطاني، ويبعد مسافة 40 كيلومتر شمال مدينة صيدا التي تعتبر العاصمة الإدارية لمحافظة الجنوب
في هذه المنطقة، يُحظر وجود أي أسلحة أو متحدين بصفة منفردة، بإستثناء قوات الطوارئ الدولية “اليونيفيل” وجيش لبنان
منذ صدور القرار الذي يهدف إلى إنهاء الحرب الأخيرة عام 2006 بين إسرائيل و”حزب الله”، تجاوزت إسرائيل القرار بشكل كامل من خلال شن مئات الهجمات الجوية فوق أراضي لبنان
ومع ذلك، فإن الأمر الذي يمثل اختراقاً كبيراً هو نشر “حزب الله” بشكل سري تحت اسم “الأهالي” في جميع أنحاء منطقة “العازلة”. وقد تم تجميع كميات هائلة من الأسلحة والذخائر، وأنشأت قواعد تحت الأرض في المدن والقرى والبلدات، ونشرت مقاتليه من أبناء المنطقة ومناطق أخرى في مواقع غير مسموح بها للجيش اللبناني أو القوات الدولية لمدة 8 سنوات لأداء دورهما في منع أي وجود لمسلحين يمكن أن يعرض وقف إطلاق النار مع إسرائيل للخطر ويعرض بالتالي أمن لبنان بأسره
انتقل “حزب الله” إلى مستوى أقصى في ديسمبر 2022 عندما دفع مسلحيه إلى استخدام الأسلحة النارية بشكل متعمد ضد دورية للقوات الدولية، مما أسفر عن مقتل جندي إيرلندي وإصابة 3 آخرين
يلاحظ أن الشخص الذي قتل لم يكن محبوسا سوى لبضعة أشهر فقط، وقد أفرجت عنه المحكمة العسكرية قبل شهر بعد تعرضها لضغوط متواصلة، وتم التعامل مع هذا الأمر بتهذيب من قبل السلطات الرسمية في لبنان
ما يتم تقديمه يشير إلى أن القرارات السيادية في لبنان ليست بيد الحكومة أو السلطات الرسمية في البلاد، بل هي بيد حزب الله. هذا ما صرح به رئيس الحكومة المكلف بتصريف الأعمال على شاشات التلفزيون بعد 7 أكتوبر. وهذا يعني أن حزب الله يمتلك اليوم القدرة على إشعال حرب بين لبنان وإسرائيل وغيرهما دون أن يتمكن أي طرف من إيقافه
ومن هنا تكمن خطورة الوضع الحالي الذي أشار إليه المبعوث الرئاسي الفرنسي إلى لبنان، جان إيف لودريان، بوصفه رسالة شخصية من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث قال لكل من التقاهم إن لبنان مجبر على اتخاذ إحدى الخيارين: إما الحل الدولي بتطبيق القرار 1701 وإزالة السلاح والمسلحين من الجنوب اللبناني، أو مواجهة احتمالية نشوب حرب مدمرة تشبه حرب غزة أو بعدها
باختصار، لبنان يواجه مفترق طرق خطير. إذا كانت حرب غزة هي الواجب اليومي، فقد نواجه قريبًا واجبًا آخر للحرب في لبنان الذي تأجل لفترة طويلة
قامت دول الخليج العربي في أربعة عقود متتالية بتنمية الاقتصاد والمجتمع والبشرية من خلال إعداد برامج تنموية شاملة بشكل لا يحصى. وقد وضعت الثروة في خدمة تطوير الأفراد وتنمية قدراتهم. وجعلت المواطن محوراً أساسياً في جميع رؤى التطوير، سواء في السعودية من خلال رؤية 2030 أو في الإمارات وشركائها
لقد تقدمت دول الخليج لتصبح القوة الرائدة في العالم العربي والإقليمي، وأحد أبرز مراكز القوة الاقتصادية والسياسية العالمية. بالمقابل، انحدرت دول أخرى لتصبح دول هامشية، يتم ذكرها فقط عند التطرق إلى الصراعات والحروب والكوارث والمصائب والنزاعات. لم تستطع هذه الدول الاستفادة من ثرواتها الطبيعية أو البشرية أو تاريخها المجيد أو مواقعها المميزة. وكانت هذه الدول في الماضي تفتخر بدورها كجسر بين الغرب والشرق
وفي الواقع، اتجه الثقل جنوبًا نحو الخليج مع تعزيز قوة واستقرار الدول في المنطقة وتوافر نظام قانوني قوي فيها، بينما تشهد الدول في المركز تدهورًا وانهيارًا، مما يؤدي إلى فقدان المرجعية القانونية والتركيز على المركزية الإنسانية
لمعرفة حجم الكارثة، يكفي أن نلقي نظرة على المشهد البائس والمؤلم الذي يعانيه شعوب الدول الرئيسية السابقة، حيث أصبحت جماعات كبيرة منهم مشردين أو نازحين أو هاربين على قوارب الموت متجهين نحو أوروبا
عرفت الحرب في غزة كفرصة لحزب الله حيث استغلها لكشف ضعف الدولة وتركيزها، كما أتاحت للشعب اللبناني والمجتمع الدولي فرصة لملاحظة غياب الجهود الرسمية في التعامل مع أمور ذات أهمية حاسمة
تمَّ الاعتراف بواسطة الدولة، من خلال أعلى مرجعياتها، بأنها ليست لديها سلطة إتخاذ قرارات الحرب والسلم على المستوى السيادي. وخاصةً بعد أن تمَ الاستناد إلى توازن القوى، مع تفوّق استراتيجية ما يُعرَف بـ “وحدة الساحات” على الدولة والدستور، وتم نشر قوات “فيلق القدس”، التي هدّمت الحدود الوطنية من العراق حتى لبنان
منذ الثامن من أكتوبر، أصبح من الواضح بشكل كبير أن الحكومة اللبنانية قد استسلمت بالكامل للوضع القائم على الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل
لم يقم أحد بأي اعتراض، مع العلم أن منطقة جنوب لبنان كانت في الأساس مخضعة لقرار مجلس الأمن رقم 1701 الصادر عقب انتهاء الحرب الأخيرة عام 2006 بين “حزب الله” وإسرائيل
تم التأكيد في القرار على ضرورة تفكيك المنطقة الحدودية المحاذية للشمال الإسرائيلي في لبنان على مسافة 40 كيلومترا، وأنه يجب أن تخلو من الأسلحة وأي مظاهر مسلحة أخرى، وأنها تُعتبر أيضاً منطقة عمليات حيث يُحظر أي تواجد أمني أو عسكري بغير أعضاء اليونيفيل الدولية والجيش اللبناني، وذلك تعبيرًا عن سيادة الدولة ومبدأ بسط السلطة على أرضها
في خطابه في تاريخ 3 نوفمبر الجاري، أعلن حسن نصرالله، الأمين العام لـ”حزب الله”، أن تنظيمه شارك في المعركة ضد إسرائيل بالقتال المسلح في الثامن من أكتوبر الماضي، بعد مرور 24 ساعة فقط على عملية حماس في غلاف غزة
بالتالي، أعلن بوضوح أن تنظيمه قرر بمفرده دخول معركة عسكرية من لبنان، لم يكتفي “حزب الله” بشن هجمات على أهداف عسكرية إسرائيلية، وتصعيدهم للتوتر ليلاً نهارًا بغض النظر عن تأثيرها على المناخ العام في البلاد والآراء المعارضة للحرب. بل فتحوا بابًا للفصائل الفلسطينية في منطقة الجنوب اللبناني، بما في ذلك “كتائب القسام” التابعة لحركة حماس والتي سبق واستخدمت الأراضي اللبنانية مرارًا وتكرارًا لإطلاق الصواريخ على إسرائيل
والحقيقة أن هذه الهجمات لم تشكل في أي وقت من الأوقات عاملا ضاغطا أو مؤثرا على مجرى العمليات العسكرية في قطاع غزة
لم تُحدث المناوشات مع الإسرائيليين فرقا يذكر في ميدان القتال في قطاع غزة، لكنها أصابت الدولة الشرعية بأضرار جسيمة، إذ أسقطتها ضحية في اختبار حرب حماس وإسرائيل
وقد أمكن الجزم أن الدولة اللبنانية أضيفت مع مؤسساتها والقرار السيادي إلى قائمة الخسائر الجانبية لهذه الحرب التي لم تطو صفحتها بعد
يمكن القول، أن الميليشيا انتهزت فرصة حرب غزة لاستكمال سحق الدولة والقانون والمؤسسات، كالحكومة ومجلس النواب والأجهزة العسكرية والأمنية، ففرضت سطوتها التامة على لبنان، وحولته بالقوة من مشروع وطن ودولة إلى ساحة نفوذ خارجي وصندوق بريد إقليمي. وقد نجحت ويا للأسف. لذلك سيبقى لبنان يترنح على حافة الحرب

 

طه خالد منصور
Taha Khaled Mansour
كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في لندن، مهتم بقضايا الشرق الأوسط وفلسطين خاصة

[ad_2]

مطاعم ومطابخ الطويل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى