في اليمن | “الهاشمية السياسية”… جدلية الصلاة على النبي وآل البيت في الأغنية اليمنية

[ad_1]

عند سماع القصائد الصنعانية وغيرها بخاتمة الصلاة على رسول الله من بعض الفنانين، وسماعها دون تلك الخاتمة من آخرين سنجد أن البناء الشعري لم يتغير في معنى القصيدة الشعرية، أو بعد تلحينها، وكذلك لم تتغير الموسيقى وكأنها ليست موجودة في القصيدة.

وقد قام العديد من الفنانين العرب والخليجيين بغناء الأغاني الصنعانية وحذف الخاتمة منها، كما فعل ذلك الفنانون اليمنيون من الجنوب والوسط اليمني. في هذا التقرير نتابع أصل هذه الخاتمة، وعلاقتها بالجو السياسي السائد في اليمن.

كتبة الشعر والأغنيات كانوا من الفقهاء

يقول الناقد والأستاذ الجامعي الدكتور قائد غيلان إن أكثر شعراء الأغنية اليمنية كانوا من الفقهاء، وتغلب ثقافتهم الفقهية على ثقافتهم الأدبية، لذا كانوا ينطلقون من خلفية معرفية دينية، لذا نجدهم يختمون قصائدهم بالصلاة على النبي وآله كما يجب أن يُختَم في عرفهم كل حديث، وبسبب موقعهم الاجتماعي، كانوا يحتاطون لأنفسهم بأن يغلِّفوا قصائدهم بذلك الغلاف الديني حفاظاً على مكانتهم الاجتماعية بأنهم ما زالوا يتحركون وفق الضوابط الفقهية ولا يتعارضون مع العرف والدين.

ويضيف: “ليس لهذا الأمر علاقة بالموقف السياسي بالضرورة، أو بالانتماء العرقي أو المذهبي، بل له علاقة قوية بتكوينهم الثقافي وبيئتهم المعرفية التي نشأوا فيها ويتحركون في إطارها وانطلاقاً منها، فالفقيه عندما يكتب قصيدة يكتبها وهو حرّ من ناحية وليس حراً من ناحية أخرى، حر لأنه يستطيع الكتابة في أي موضوع بما في ذلك المواضيع العاطفية، لكنه مقيّد بشروط الهيبة التي يجب أن يتمتع بها الفقيه أو القاضي ويجب عليه أن يحافظ على تلك الهيبة والمكانة”.

الحمينية الصنعانية

“والصلاة تغشى محمد سيد الرسل الكرام

وكذاك الآل عن يد والصحابة الكرام”

هكذا ختم الشاعر حيدر آغا المولود في صنعاء عام 1699 قصيدته الشهيرة “شاقني صوت الحمامة”، والتي قام بتلحينها وغنائها الفنان اليمني فؤاد الكبسي مطلع تسعينيات القرن الماضي، وعليه كان لا بد لكثير من الأغاني اليمنية لا سيما “الحمينية الصنعانية” أن تختم بهذه الخاتمة، على الرغم من أنها ليست موشحات دينية، كما هو الحال في قصائد الصوفيين غرب وشرق اليمن.

أكثر شعراء الأغنية اليمنية كانوا من الفقهاء، وتغلب ثقافتهم الفقهية على ثقافتهم الأدبية، لذا كانوا ينطلقون من خلفية معرفية دينية، ونجدهم يختمون قصائدهم بالصلاة على النبي وآله كما يجب أن يُختَم في عرفهم كل حديث

يقول الشاعر عمر النهمي لرصيف22: “الخاتمة بالصلاة على النبي لم تكن تتفق دائماً مع محتوى الأغاني والقصائد المغناة، حيث تكون قصيدة غزلية ويختمها بخاتمة الصلاة على النبي والآل، ولا علاقة لها بمحتوى القصيدة”.

ويضيف النهمي أن هذه الخاتمة أُدخلت لهدف سياسي وطائفي، ومن بعد ذلك أخذها اليمنيون كنوع من العادات والتقاليد في الشعر والغناء، فالقواعد الشعرية فلا تنص على أن يكون هناك خاتمة أو بداية محددة والتي قد تُضعف معنى القصيدة.

وعن انتشار هذه الخاتمة في مناطق شرق اليمن، يوضح النهمي أن قصائدهم -أي شعراء الشرق- تأتي جميعها في المديح النبوي، في اختلاف عن المناطق الشمالية في اليمن في وحدة الموضوع، فمثلاً في حضرموت تكون القصيدة المغناة “كٌلاً” في المديح النبوي، فتأتي الخاتمة والبداية والعجز متوافقة المحتوى، لكن في المناطق الشمالية قد يكون محتوى القصيدة غزلاً، أو فخراً، أو عتاباً، أو أي لون آخر، لكنها تختم بالصلاة إبراهيمية في كل الأحوال.

بداية الحمينية والخاتمة الابراهيمية

في دراسة لغوية للباحث موسى بياتمي بعنوان “الجمال الحسي الجسماني في بلاغة الشعر الحميني”، يرى أن للشعر الفصيح في اليمن امتداداً يوصف بالشعر العامي أو ما يعرف محلياً بالحميني، ومن أغراضه الهامة تجسيد أحلام الجماهير والتعبير عن قضاياها وتقاليدها، وهو في اليمن أكثر ذيوعاً وانتشاراً من الشعر الفصيح، وأقرب منه إلى الموشحات الأندلسية، وهو شعر يلتزم الوحدة الفنية دون التزامه بالقافية الواحدة، وله ثلاث مدارس.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

ألن تنضمّ/ ي إلى من يشبهونك؟

الأولى مدرسة عبد الرحمن الآنسي صاحب ديوان “ترجع الأطيار” والمتوفي 1251، والثانية هي مدرسة الانطلاق، أما الثالثة فمدرسة الاعتدال، وهي التي أدخل أصحابها في الشعر الحميني الخلط بين الفصيح والعام.

وقد بدأت هذه المدارس منذ بداية القرن الثامن الهجري وامتدت حتى اليوم، وشهدت في بداياتها صعود أبرز الشعراء الذين لا تزال قصائدهم تُغنى وتتردد حتى بعد مئات السنوات، وكان أشهرهم القاضي عبد الرحمن الأنسي ومحمد ابن شرف الدين والقاضي أحمد بن عبد الرحمن الآنسي والقاضي العنسي ويحمد ابن حسين المفتي وابن إسحاق وحيدر اغا وغيرهم.

الخاتمة بالصلاة على النبي لم تكن تتفق دائماً مع محتوى الأغاني والقصائد المغناة، فقد تكون قصيدة غزلية ويختمها بخاتمة الصلاة على النبي والآل.

الكاتب والناقد جمال حسن يقول لرصيف22: “أقدم نصوص الشعر الحميني المعروفة في التراث اليمني، تعود إلى فترة الدولة الرسولية، بحسب دراسة بعنوان (شعر الغناء الصنعاني) للدكتور محمد عبده غانم. والموشح هو قالب شعري ظهر في الأندلس، وجاء وانتقل وفقا للدراسة إلى مصر خلال العهد الأيوبي، وبتأثير من الأيوبيين انتقل لاحقاً الى اليمن”.

ويعتبر موشح “لي في ربا حاجر” أقدم شعر حميني معروف في اليمن، وعلى الأرجح اعتمدت الموشحات في البلاط الرسولي خاتمة تمتدح ملوكها. على غرار قصيدة بن فليتة التي تختتم بـ:

“لا عاشق ألا ما يكون مقهود .. ظامي البدن

ولا ملك إلا على ابن داؤد .. ملك اليمن”

ونلاحظ هذا العرف لدى شاعر ينتسب للفترة الرسولية هو “المزّاح” في موشح “يا غصن مياس”، فيما يبدو أنه عُرف يقتضي أن تُختم قصيدة الغزل بمدح الملك. والذي يبدو أنه انتقل إلى الشعر الحميني في صنعاء وما حولها. لتتخذ مضموناً دينياً بصورة تتقاطع مع التوجه السياسي للمذهب الذي يحصر الحكم بين “البطنين“.

هذا العرف ظهر في بعض القصائد، ووفقاً لجمال حسن كان أول من بدأه  الشاعر محمد بن شرف الدين، والذي ينتسب لواحدة من تلك الأسر الحاكمة. وبالتالي، أصبح ذلك جزءاً من ثقافة الحكم الإمامي، ويتم تكريسه للتأكيد على هيمنة فئة اجتماعية متصلة بـ”الآل”.

ومع بداية القرن العاشر الهجري وصل الشعر الغنائي اليمني في الشمال إلى عصره الذهبي، مع ظهور عشرات الشعراء تتابعاً، ومع مرور الزمن نلاحظ أن أكثر شعراء الحمينية شهرة وعلماً كانوا قضاة دين في نفس الوقت، وفي مقدمتهم القاضي عبد الرحمن الآنسي، وابنه احمد ومحمد ابن شرف الدين، والقاضي العنسي واحمد بن حسين المفتي، وكانت قصائدهم تغني دون التفكير في تلك الخاتمة وما يترتب عليها.

الحوثيون والهاشمية السياسية

مع بداية الحرب في اليمن وسيطرة “أنصار الله” الحوثيين على مناطق واسعة من شمال البلاد كالعاصمة صنعاء في العام 2014، ظهرت العديد من التيارات المناوئة لهم، والتي طرحت النقاش تجاه الهاشمية وآل البيت بجرأة، فتغيرت نظرة البعض تجاه الهاشميين كثيراً، وبدأت الأصوات هنا وهناك تنادي بأهمية مواجهة ما أسموه بـ”الهاشمية السياسية“، والتي كانت قصائدهم تختتم بالصلاة على رسول الله وآله، على اعتبارها هي تحديداً من أدوات السيطرة الهاشمية خلال مئات السنوات من حكم الأئمة شمال اليمن كما يقولون.

يقول الصحافي والباحث نشوان العثماني لرصيف22: “الهاشمية السياسية استخدمت تلك الخاتمة في الأغاني، لا سيما القصائد المغناة، وذلك لسرعة وصولها إلى الناس لتثبيت أفضليتهم على بقية البشر باعتبارها أغان يرددها الناس بشكل مستمر في الأفراح ومقايل القات وحياتهم اليومية”.

ويضيف العثماني بأن هذه الخاتمة كانت موجودة في بعض مناطق اليمن جنوباً وشرقاً، مثل قصائد يحيى عمر، لكن مع الملاحظ أنها كانت فقط تختم بالصلاة على النبي دون آله، وعند المقارنة بين شعراء شمال الشمال في اليمن وشعراء الوسط والجنوب سنجد أن هذه الخاتمة كانت تتواجد بشكل أكبر في مناطق الشمال التي كان يسيطر عليها الأئمة.

ويقول: “إذا ما بحثنا في قصائد القمندان أو المحضار، فلن نجد هذه الخاتمة بشكل كبير، وإن كانت موجودة فهي بشكل عفوي بشأن النبي دون آل بيته، في حين أن الهاشمية في الشمال لا تعرف العفوية، وهي تدرس كل الخطوات التي تقوم بها حتى هذه الخاتمة التي تكرس الهيمنة الاجتماعية في الغناء لطبقة بعينها”.

من جهته يقول الكاتب والشاعر عبد المجيد التركي أن الشعر الحميني يُعرف برقَّة ألفاظه ومقاصده المتعددة، والتي تبدأ بالدعاء والتوسل في بداية القصيدة، ثم الانتقال إلى التغزُّل، لتنتهي القصيدة بالصلاة على النبي، كما هو السائد في معظم قصائد الغناء الصنعاني، وقد كانت هذه من سمات القصيدة الغنائية، ولا علاقة لها بأية أيديولوجيا أو توجُّه ديني أو سياسي. ويرى أن هذه السمة بقيت سائدة لمئات السنين على الشعر الحميني، سواء تم غناء القصيدة أو بقيت على الورق.

مع سيطرة الحوثيين ظهرت التيارات المناوئة لهم والتي تنادي بمواجهة “الهاشمية السياسية”، حيث اعتبرت أن قصائدهم التي تُختم بالصلاة على رسول الله وآله من أدوات السيطرة الهاشمية خلال مئات السنوات من حكم الأئمة شمال اليمن

ويؤكد التركي أن هذا البناء ليس شرطاً، فهناك بعض القصائد الغنائية التي لم تكن تبدأ بالتوسل والدعاء وتنتهي بالصلاة على النبي، فقد بدأ ابن فليتة قصيدته: “لي في ربا حاجر غزيِّل اغيد”، دون أي دعاء أو توسل، رغم أنها أول قصيدة كُتبت في الشعر الحميني كما يقال، ويشير إلى أن هذا النوع من الشعر كان يكتبه كل شاعر متمكن، وليس صحيحاً أنه كان محصوراً على فئة معينة، فقد كان القضاة والحكَّام يكتبونه، واشتهر منهم: القاضي محمد بن عبدالله شرف الدين، والقاضي عبد الرحمن الآنسي، وابنه القاضي أحمد عبد الرحمن الآنسي، والقاضي علي العنسي،

يختم: “لولا هؤلاء الأربعة العمالقة لما كان لدينا فن غنائي بهذه الكثرة والجودة”.

اختلافات بحسب المناطق

تركزت أغاني الغزل العفيف أو الصريح وأغاني النصح والأغاني الرمزية في مناطق شمال اليمن من صنعاء وصولاً إلى تهامة، وكانت أغلب هذه الأغنيات لا بد وأن تنتهي بهذه اللازمة الشعرية، حتى وإن كانت القصيدة غزلاً صريحاً، أما في شرق اليمن باتجاه حضرموت فكانت أغلب القصائد في فترات سابقة هي قصائد صوفية وابتهالات في مدح الله ومدح الرسول وآله، أي أنها كانت جزءاً من تلك القصائد، أما في الشمال فالأمر مختلف تماماً، فمثلا قصيدة “إلى من أشكو الهوى” التي غناها مجموعة من الفنانين منهم الحارثي و الكبسي، من كلمات الشاعر ابن إسحاق، فعلى الرغم من أنها غزلية وتتحدث عن الفراق والوصل، اختتمت بـ “وأزكى الصلاة ما لمع بارق ومالت غصوني وما سريت الركاب على النبي المصطفى والآل قرة عيوني ماشن مزن السحاب”.

“يقرب الله لي بالعافية” هي واحدة من أشهر القصائد التي تم غناؤها على مدى مئات السنوات، ولم يقتصر غناؤها على فنانين من الشمال وإنما كان الفنانون من جنوب اليمن هم أشهر من قام بغنائها منهم فيصل علوي ومحمد سعد عبد الله، وبالرغم من أن القصيدة هي في الأصل ابتهال من الشاعر يدعو به لأن يجتمع بحبيبه في صنعاء ويشكو من شك النسيان فإنها كذلك اختتمت بالصلاة على النبي وآله، حين يقول الشاعر أحمد بن حسين المفتي في نهاية القصيدة:

“صلي وسلم على طه شفيع القيامة .. والآل ما المزن شن”

أي صلي على الرسول وآل بعدد قطرات المطر التي تنزل على الأرض.

حين غنّى محمد عبده قصيدة “جل من نفس الصباح” ألغى الخاتمة التي تقول “والصلاة مثل مسك فاح تبلغ الهاشمي المجيد”، بينما أبقاها حسين محب لدى غناء القصيدة.

ونجد في أداء فيصل علوي وسعد عبدالله أنهما استغنيا عن هذه الخاتمة، ولم يدرجاها في تسجيلاتهما للأغنية، بينما محمد أبو نصار أدرجها. كذلك أغنية “جل من نفس الصباح” التي غناها محمد عبده في بدايته الفنية، حيث قام أيضاً بإلغاء الخاتمة التي تقول “والصلاة مثل مسك فاح تبلغ الهاشمي المجيد”، وهي ذات الخاتمة التي أضافها حسين محب عندما قام بغناء القصيدة.

أما أغنية “ما كلف الهجر” والتي غنتها مجموعة من الفنانين من كلمات يحيى حسين حميد الدين، فقد أضاف إليها فؤاد الكبسي خاتمة الصلاة التي يقول “والختم صلوا على المختار غيث الزمانِ والآل ما الغيث صاب”، بينما لم يختم الخاتمة نفسها صاحب الأغنية الأصلية محمد أبو نصار أو الفنان أحمد الحبيشي. أما في قصيدة “يا مستجيب الدعاء” للشاعر يحيى عمر اليافعي، فقد قام فؤاد الكبسي وأحمد الحبيشي بإضافة الخاتمة إلى الأغنية، بينما استغنى عنها محمد أبو نصار.

IMG 4326

المصدر : رصيف 22

[ad_2]

مطاعم ومطابخ الطويل

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button