الفرق بين الاستعمار البريطاني والاحتلال اليمني للجنوب: قراءة من منظور حقوقي الناشط الحقوقي أسعد أبو الخطاب
عدن الدستور الأخبارية خاص
لطالما كان الجنوب اليمني مسرحًا لمختلف أشكال الاحتلال والسيطرة الأجنبية، سواء من قوى استعمارية خارجية أو من سلطات محلية تتذرع بوحدة أو دولة قومية.
بين هذه المحطات، يبقى الاستعمار البريطاني والاحتلال اليمني للجنوب أبرز فصلين تاريخيين يُتداول الحديث عنهما.
ورغم التشابه في النتيجة، التي تتمثل في سيطرة على الجنوب وشعبه، إلا أن الفارق بينهما من حيث الوسائل والتأثيرات يظل واضحًا وجليًا.
الاستعمار البريطاني:
إدارة مدنية واستثمار استراتيجي ٬ حين دخلت بريطانيا الجنوب اليمني عام 1839، كانت استراتيجيتها الاستعمارية قائمة على مبدأ الاستثمار الاستراتيجي، حيث كانت عدن تُعتبر ميناءً مهمًا للتجارة العالمية ومحطة رئيسية على طريق المستعمرات البريطانية في الهند. إدارة بريطانيا للجنوب اتسمت ببناء بنية تحتية قوية نسبيًا مقارنة بما كان موجودًا من قبل، وشهدت عدن آنذاك نوعًا من الانفتاح التجاري والثقافي.
بريطانيا، رغم طابعها الاستعماري، عمدت إلى إدخال نظام إداري ومدني فعال، وأنشأت موانئ ومرافق عامة، وعززت من فرص العمل والتجارة.
لكن بالطبع، لا يمكن نسيان أن هذا كله كان يخدم مصالح بريطانيا الاقتصادية والاستراتيجية، وليس من أجل رفاهية الشعب الجنوبي. لم يكن الشعب شريكًا حقيقيًا في السلطة، بل كان أداة لتحقيق أهداف القوى الاستعمارية.
الاحتلال اليمني:
مركزية السلطة والتهميش المتعمد ٬ أما بعد استقلال الجنوب في 1967 وتوحيده مع الشمال في 1990، فقد بدأ شكل آخر من الاحتلال، هذه المرة من قبل السلطة اليمنية المركزية في صنعاء. سيطرت السلطات اليمنية على الجنوب تحت ذريعة الوحدة اليمنية، لكن هذه السيطرة تحولت بسرعة إلى نوع من الاحتلال السياسي والعسكري، حيث تم تهميش أبناء الجنوب، ونهب مواردهم الطبيعية، وتدمير البنية التحتية التي ورثها من الاستعمار البريطاني.
الاحتلال اليمني للجنوب اتسم بالقمع السياسي والاقتصادي٬ الحكومات المتعاقبة لم تعمل على تنمية الجنوب بل استغلته كمصدر للموارد الطبيعية (خاصة النفط)، وقمعت أي محاولات للاستقلال أو حتى تحسين الأوضاع المعيشية.
على عكس البريطانيين، لم تسع السلطات اليمنية إلى بناء بنية تحتية أو نظام مدني يمكن أن يخدم الجنوبيين، بل عملت على تدمير ما تبقى من إرث الاستعمار.
الفرق الجوهري:
البناء مقابل التدمير ٬ الفرق الجوهري بين الاستعمار البريطاني والاحتلال اليمني يكمن في الأثر طويل الأمد على الجنوب وأبنائه.
بينما سعت بريطانيا إلى بناء نظام إداري يخدم مصالحها ويضمن استقرار عدن كنقطة استراتيجية، قامت السلطات اليمنية بتفكيك المؤسسات واستنزاف الموارد دون أي رؤية لتطوير المنطقة أو تحسين ظروف حياة أهلها.
ما نراه اليوم هو أن إرث الاحتلال اليمني للجنوب كان أشد قسوة وأكثر تدميرًا من الاستعمار البريطاني. الجنوبيون اليوم يواجهون واقعًا مريرًا من الفقر والتهميش، دون أي بنية تحتية تُذكر أو فرص حقيقية للنهوض بمناطقهم.
خاتمة:
في النهاية، يبقى الاستعمار البريطاني والاحتلال اليمني وجهين لعملة واحدة، وهي السيطرة على الجنوب واستغلال موارده.
لكن الفارق يكمن في أن بريطانيا، رغم مصالحها الاستعمارية، تركت إرثًا بنيويًا يمكن البناء عليه، في حين أن الاحتلال اليمني لم يترك سوى الدمار والفقر والتهميش.