ثورة 26 سبتمبر: الأهداف العظيمة والتحديات المستمرة بعد عقود من الصراع.
بقلم الأستاذ معين فضل المنادي.
مرت أكثر من ستة عقود على قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 في اليمن، الثورة التي أشعلت شرارة التغيير وأنهت الحكم الإمامي الطويل الذي استمر لأكثر من ألف عام. حينها، رفعت الثورة شعارات وأهدافًا طموحة ركزت على بناء يمن جديد، تعليم حديث، وعدالة اجتماعية، ومساواة بين جميع أبناء الوطن. ولكن، وبعد مرور هذه العقود، يثار تساؤل مهم: هل نجحت ثورة 26 سبتمبر في تحقيق أهدافها؟
أحد الأهداف الرئيسية لثورة 26 سبتمبر كان “بناء نظام تعليمي حديث” قادر على مواكبة التغيرات والتطورات العالمية، ووضع اليمن في مصاف الدول المتقدمة. ومع ذلك، وبعد مرور عشرات السنين، لا يزال التعليم في اليمن يعاني من أزمات هيكلية.
رغم وعود الثورة بإنشاء نظام تعليمي قوي، إلا أن الواقع يقول عكس ذلك. المدارس في المناطق الريفية تكاد تكون معدومة أو تعمل بظروف غير إنسانية. البنية التحتية التعليمية تتآكل، والكثير من المدارس غير مجهزة لتقديم تعليم يواكب العصر. في المدن الكبرى، هناك مدارس، لكن ليست كل المدارس توفر بيئة تعليمية مناسبة، إذ تفتقر العديد منها إلى المعدات الأساسية، والمناهج غير محدثة، ناهيك عن تأثير الصراعات على تدمير المنشآت التعليمية.
رغم الجهود الحكومية لمحاربة الأمية، لا تزال معدلات الأمية في اليمن مرتفعة بشكل ينذر بالخطر. تشير الإحصائيات إلى أن نسبة كبيرة من السكان الأميين في اليمن تعيق أي تقدم أو تنمية مستدامة. ومع استمرار الصراعات والاضطرابات السياسية، ازداد الوضع سوءاً، حيث أغلقت العديد من المدارس وانقطع العديد من الأطفال عن التعليم، ما يهدد بمستقبل مظلم للجيل القادم.
على مستوى التعليم العالي، تعاني الجامعات اليمنية من غياب التمويل الكافي وضعف في مستوى المناهج والتدريب. العديد من الطلاب الذين تخرجوا من الجامعات اليمنية يجدون أنفسهم غير قادرين على مواكبة سوق العمل الحديث، سواء محلياً أو دولياً. هذا يعكس خللاً جوهريًا في المنظومة التعليمية وعدم قدرتها على تزويد الشباب بالمهارات والمعرفة اللازمة لمواكبة التحديات.
إحدى أكبر إخفاقات ثورة 26 سبتمبر هي عدم قدرتها على إنهاء الصراعات الداخلية وتحقيق استقرار طويل الأمد. من يوم الثورة وحتى اليوم، عانى اليمن من حروب داخلية متكررة، سواء بين الفصائل السياسية أو الدينية، مما ألقى بظلاله الثقيلة على الشعب اليمني.
منذ انتهاء الثورة، شهد اليمن حرباً أهلية بين الجمهوريين والملكيين، وتلتها سلسلة من الصراعات الداخلية، أبرزها الحرب الأهلية التي اندلعت في 1994 بين شمال اليمن وجنوبه، والصراع المستمر منذ 2015 الذي زاد من تعقيد الأوضاع الداخلية. هذه الحروب المتتالية دمرت البنية التحتية وأثرت بشكل مباشر على الشعب اليمني، وأدت إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية.
الحروب لم تقتصر على تدمير البنية التحتية فحسب، بل أثرت أيضاً على النسيج الاجتماعي في اليمن. العداءات بين الفصائل المختلفة، وانتشار ثقافة العنف والتشدد، أدت إلى تعميق الانقسامات في المجتمع اليمني. اليوم، يجد اليمن نفسه في حالة انقسام داخلي غير مسبوقة، وهو ما يقف عائقاً أمام أي جهود لبناء دولة مستقرة وموحدة.
كان من بين أهداف ثورة 26 سبتمبر تحقيق نمو اقتصادي مستدام والحد من الفقر. لكن اليوم، بعد مرور عقود، لا يزال الاقتصاد اليمني يعاني من أزمات خانقة. الفساد المستشري، وسوء الإدارة، وتفشي الحروب، كلها عوامل أدت إلى تدهور الاقتصاد بشكل غير مسبوق. ويعتبر اليمن من أفقر دول العالم، حيث يعيش الملايين من أبنائه تحت خط الفقر.
الحروب والصراعات أدت إلى تدمير الاقتصاد، وترك الملايين بلا مصدر دخل. الأمم المتحدة تصف الأزمة الإنسانية في اليمن بأنها الأسوأ في العالم، حيث يعاني ملايين اليمنيين من نقص حاد في الغذاء والمياه والرعاية الصحية. هذا الوضع يتناقض بشكل صارخ مع أهداف ثورة 26 سبتمبر التي سعت إلى تحقيق الرفاهية للشعب اليمني.
بناءً على ما سبق، يمكن القول إن ثورة 26 سبتمبر لم تحقق أهدافها بالشكل المأمول. ورغم أنها نجحت في إنهاء الحكم الإمامي وتأسيس النظام الجمهوري، إلا أن الفشل في تحقيق التنمية الاقتصادية والتعليمية، واستمرار الصراعات، يعكس تحديات كبيرة لم تتم معالجتها حتى اليوم. ومع ذلك، لا يمكن إغفال أن الظروف الداخلية والخارجية والتدخلات الإقليمية والدولية ساهمت في تعقيد المشهد اليمني بشكل كبير.
اليمن بحاجة ماسة إلى ثورة جديدة، ثورة فكرية وتنموية تنطلق من الجذور، وتعمل على معالجة التحديات الأساسية التي تواجه البلاد. التعليم يجب أن يكون في قلب هذه الثورة، حيث لا يمكن بناء مستقبل مستدام دون نظام تعليمي قوي. كذلك، يجب أن تكون المصالحة الوطنية وتوحيد الصفوف أولوية لتحقيق الاستقرار، ومن ثم بناء اقتصاد قادر على تلبية احتياجات الشعب.
ثورة 26 سبتمبر كانت خطوة مهمة في تاريخ اليمن، لكن الدروس المستفادة من إخفاقاتها يجب أن تكون حافزاً للجيل الجديد من القادة والمفكرين للعمل على إصلاح ما تم إهماله وتحقيق الحلم الذي طال انتظاره.